وكان السلطان قرره باش العسكر على التجريدة التي توجهت إلى حلب، فأظهر في البلاد الشامية والحلبية غاية الظلم، وأفرد الأموال الجزيلة على جهات البلاد الشامية والحلبية بسبب المشاة الذين يكونون أمام العسكر، فجار على الناس وأخذ جملة من الأغنام لأهل الضياع من الفلاحين نحو ثلاثين ألف رأس غنم، وقيل أكثر من ذلك.
وكان السلطان في وقت عينه بأن يتوجه إلى جهات الشرقية بسبب فساد العربان، فكان إذا ظفر بأحد من الفلاحين الضعفاء يوسطه أو يسلخه من رأسه إلى قدميه، وربما صنع ذلك بجماعة من الأشراف وزعم أنهم من العربان العصاة على ما قيل عنه، وكانت مساوئه أكثر من محاسنه، وكان شديد القسوة كثير الجهل، وقد أراح الله تعالى الناس منه.
فلما مات لم يثن عليه أحد من الناس بحير قط، وقد قلت في ذلك مداعبة لطيفة:
جهنم منذ قالت … لقاني باي خذ حذارك
قد زاد نيران وجدي … من كثرتي لانتظارك
وأنا أستغفر الله العظيم وأتوب إليه من ذلك، ولكن أحببت أن أذكر هنا شيئا من مساوئه حتى يعتبر من بقى لعل أن تحسن أخبارهم من بعدهم.
وكان السلطان متأثرا من الأمير قاني باي هذا في الباطن، وقد عين له أمرة السلاح غير ما مرة ويترك أمرية آخورية الكبرى فبأي من ذلك، وكان السلطان له قصد أن يقرر أحدا من أخصائه في أمرية آخوية الكبرى فيعارضه في ذلك، فلما مرض الأمير قاني باي استمر مقيما بباب السلسلة في مدة انقطاعه نحو خمسة أيام، فمات بباب السلسلة ليلة الجمعة بعد العشاء، فرسم السلطان أن ينزل إلى داره وهو ميت فنزلوا به في تابوت إلى بينه الذي عند حدرة البقر.
وكان متزوجا ببنت الأمير يشبك بن مهدي أمير دوادار كبير فأقامت له نعيا بالطارات، واستمرت تدق عليه بالطارات ثلاثة أيام متوالية فعز ذلك على السلطان في الباطن، وأشيع بين عياله أنه قد مات مسموما، فحقد ذلك على بنت الأمير بشبك فيما بعد وقرر عليها فوق الثلاثين ألف دينار وزعم أن قاني باي أمير آخور أودع عندها مالا فشرعت في بيع جهازها حتى ترد ما قرر عليها من المال.
فلما كان يوم الجمعة حضر القضاة الأربعة والأتابكي سودون العجمي وسائر الأمراء المقدمين وأرباب الوظائف من المباشرين، وأخرجت جنازته من بيته وقدامه كفارة، فطلعوا به من على حدرة البقر، فلما وصل إلى الرملة نهب العوام تلك الكفارة، فلما وصل