للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها … ولكن أخلاق الرجال تضيق

فلما أشيع توجه خشقدم إلى بلاد ابن عثمان كثر القال والقيل بين الناس بسبب ذلك، وقيل أن أخا خشقدم هذا كان مقيما عند ابن عثمان سليم شاه وهو من أخصائه، فخشي بعض العقلاء أن خشقدم يحسن لابن عثمان أن يمشى على بلاد السلطان ويهون عليه ذلك الأمر، والله غالب على أمره.

وفي يوم الجمعة سادس عشرين هذا الشهر كانت وفاة الأمير قاني باي قرا أمير آخور كبير الذي كان باش العسكر المتوجه إلى حلب، وكان موته بغتة على حين غفلة، وكانت مدة توعكه خمسة أيام حتى أشيع أنه مات مسموما من بعض أخصائه، والعلم عند الله تعالى، وكان أصل الأمير قاني باي هذا من مماليك الملك الأشرف قايتباي من مشترياته، فأعتقه وأخرج له خيلا وقماشا وصار من جملة المماليك الجمدارية، ثم بقى سلحدارا، ثم أنعم عليه بأمرية عشرة في سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، فأقام على ذلك مدة يسيرة، وقرره في نيابة صهيون، وقيل: سعى فيها بمال له صورة فأقام بصهيون مدة، وكان الساعي له في نيابة صهيون الأمير أزبك الخازندار، وقيل: قرر في أمرية الكبرى بحلب مدة يسيرة، ثم عاد إلى مصر وبقى مقدم ألف في دولة الملك المناصر محمد بن الأشرف قايتباي، ثم بقى أمير آخور كبير - بعد وقعة الأمير أقبردي الدوادار - لما قتل الأمير كرتباي ابن عمة الأشرف قايتباي في مدرسة السلطان حسن، فقرره الملك الناصر في أمرية آخورية الكبرى عوضا عن الأمير كرتباي بحكم قتله، وذلك في المحرم سنة ثلاث وتسعمائة فأقام في أمرة آخورية الكبرى نحوا من ثماني عشرة سنة وثلاثة أشهر.

وكان أميرا جليلا مبجلا معظما، في سعة من المال والسلاح والبرك والحيول والبغال والجمال والمماليك، وكان في ملاءة من كل شيء، وهو الذي أنشأ الجامع الذي عند المصنع تجاه سوق الخيل، والجامع الذي بالقرب من ميدان المهارة الذي بجوار البركة الناصرية، وكان له من العمر لما مات نحو ستين سنة.

وكانت صفته طويل القامة مليء الجسد أسمر اللون جدا كما وكره الشيب، وكان مشهورا بالشجاعة والفروسية ولعب الرمح بحيث كان يدعي بقاني باي الرماح، لكنه كان عنده الطمع الزائد والظلم والعسف، وكانت معاملته أنحس المعاملات يأكل أموال الناس بغير حق، وإن وضع يده على وقف أو تركه أكلها عن رخرها، وإن اشترى من أحد شيئا أكل ثمنه عليه، وإن استعمل صنايعيا أو مسببا قطع مصانعته في أجرته، ويحرج من بابه غير راض عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>