للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يوم الجمعة تاسع عشرة الموافق لسابع بشنس القبطي، فيه قلع السلطان الصوف ولبس البياض، وكان الوقت يومئذ رطبا.

وفي يوم السبت عشرينة نزل السلطان إلى الميدان وبات به ليلة الأحد، فدخل إلى البستان الذي أنشأه به فأطلق ماء البحرة ونثر فيها الورد والياسمين، وفرش حولها الفرش الفاخرة، وعلق بين الأشجار أحمال قناديل وتعاليق كثيرة ما بين تنانير وأمشاط وغير ذلك حتى أضاء البستان بالنور، ثم أرسل خلف الشريف بركات وبات عنده تلك الليلة، ومد له أسمطة حافلة وطوارى فاخرة ما بين حلوى وفاكهة وغير ذلك، ثم أحضر إليه مغاني البلد وأرباب الآلات الدواخل، فكانت ليلة حافلة من الليالي الملوكية، كما قال فيها الشاعر:

ومجلس راق من غير واش يكدره … ومن رقيب له في اللوم إيلام

ما فيه ساع سوى الساقي وليس به … على الندامي سوى الريحان نمام

فلما أصبح صبح يوم الأحد خرج السلطان وجلس في الميدان وأحضر جماعة من المماليك يرمون بالنشاب على القبق، فأقام في الميدان يومين وليلة ثم طلع إلى القلعة، وقد بالغ في إكرام الشريف بركات بأشياء لم تقع لأحد من أجداده ولا أقاربه.

وفي يوم الاثنين ثاني عشرينة، فيه خلع السلطان على أمراء الحاج فقرر الأمير علان أحد المقدمين ودوادار ثاني أيضا أمير ركب المحمل، وقرر الجناب العلاء علي بن المؤيد أحمد بن الأشرف إينال أمير ركب الأول، فكان لهما موكب حافل.

وفي ذلك اليوم أشيع أن خشقدم شاد الشون قد هرب وصحبته جماعة من المماليك السلطانية فهيأ له مركبا بستة عشر مقدافا، وقيل أنه أخذ معه نحو عشرة مماليك، وخرج من مصر على حمية، فأشيع أنه قد توجه إلى عند سليم شاه ابن عثمان ملك الروم، وقيل:

إن له أخا عند ابن عثمان أمير من أمرائه فتوجه إليه، وأصل خشقدم هذا من مماليك السلطان قانصوه الأشرف الغوري من مشترياته، وكان أنعم عليه بأمرة عشرة وجعله رأس نوبة عصاة ثم قرره في شادية الشؤون، وكان قبل ذلك تكلم في نيابة جدة نيابة عن الأمير حسين نائب جدة فاستمر على ذلك مدة، ثم إن السلطان صادره وأخذ منه نحو خمسة آلاف دينار، وكان خشقدم هذا متزوجا ببنت جاني بيك دوادار طراباي الذي كان ناظر الديوان المفرد، فلما قبض السلطان على جاني بيك أمر خشقدم بطلاق بنت جاني بيك غصبا وقيل: كان له منها أولاد وربما ألزمه بما تأخر على جاني بيك من المال، فما طاق خشقدم ذلك وحمل على نفسه فهرب نحو بلاد ابن عثمان، فكان كما يقال في المعنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>