وفي يوم الأثنين خامس عشرة حضر إلى الأبواب الشريفة الأمير قاني باي قرا أمير آخور كبير باش العسكر الذي كان توجه إلى حلب، وحضر الأمير سودون الدواداري رأس نوبة النوب، وحضر الأمير أرزمك الناشف أحد الأمراء المقدمين، وكانوا توجهوا في هذه التجريدة صحبة أمير آخور، فلما دخلوا إلى القاهرة باتوا في مدرسة السلطان، ثم طلعوا إلى القلعة وقابلوا في ذلك اليوم السلطان، فخلع عليهم كوامل بسمور ونزلوا إلى دورهم في موكب حافل، فكانت مدة غيبة الأمراء في هذه السفرة نحو تسعة أشهر ورجعوا وهم سالمون لم يفقد منهم أحد، ولا وقع بينهم قتال بسبب ابن عثمان والصفوي، لكن قاسي العسكر في هذه السفرة مشقة زائدة بسبب الغلاء الذي وقع بحلب وقلة العليق على الخيول، فباعوا خيولهم وسلاحهم وقماشهم، فدخلوا إلى مصر وهم في غاية التعفيش ومنهم من دخل وهو راكب على حمار.
وفي ذلك اليوم أكمل السلطان على العسكر النفقة المقدم ذكرها على حكم ما شرح فيه ولم يعط المماليك القرانصة العواجز ولا أولاد الناس شيئا، وصار الذي يأخذ النفقة يكتبه كاتب المماليك طائفة إلى جهة الشرقية وطائفة إلى جهة الغربية، وطائفة إلى منفلوط وطائفة لحفظ الجسور، فصار بعض المماليك يقول:"ما لنا حاجة بنفقة على هذا الوجه".
فلما أقام قاني باي أمير آخور في المدينة ثلاثة أيام أهدى إلى السلطان تقدمة حافلة على ما قيل، فكان من جملتها ذهب عين عشرة آلاف دينار وخمسة وعشرون مملوكا جراكسة وخيول خاصات أربع طوايل وأربعمائة رأس غنم وأثواب بعلبكي وأثواب صوف وغير ذلك أشياء فاخرة، وقيل أحضر إلى السلطان ثمانين ألف دينار وذلك مما جباه من أمر المشاة الذين أفردهم السلطان على الشام وحلب وحماه وغير ذلك من البلاد بسبب المشاة التي تخرج قدام العسكر في التجريدة، فحصل على أهل تلك البلاد منه الضرر الشامل وأخذ أموالهم بالظلم والعسف، وقرر على جهات البلاد الشامية من الاقطاعات والرزق على كل رأس من الفلاحين قدرا معلوما كما فعل بعربان جبل نابلس وغيره من البلاد، فضج منه الأفلاك والأملاك بسبب ذلك، وكان المحرك لذلك يوسف ابن أبي أصبع.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره نزل السلطان إلى الميدان وأرسل خلف الشريف بركات أمير مكة، وحضر أمير كبير وجماعة من الأمراء المقدمين، ثم أحضر مماليك يرمون بالنشاب على الخيل وهم باللبس الكامل فأظهروا أشياء غريبة في فنون الرماية، وأحرق السلطان أحراقة نفط بالنهار في الميدان، وأحضر الأفيال الكبار فتصارعت قدامة، وكذلك السبع والهزبر، فانشرح السلطان في ذلك اليوم كان يوما مشهودا فأقام في الميدان إلى قريب الظهر.