ذلك اليوم على خير، وهذه الواقعة من معظم وقائع سنة عشرين وتسعمائة قل أن يقع في التواريخ مثلها من الوقائع الغريبة في أخبار السلاطين، وقد نظمت في ذلك هذه القصيدة التي لم ينسج مثلها على منوال، وهي هذه:
سر الأنام لمقدم السلطان … وتباشروا منه بكل أمان
وتغردت أطيار أزهار الربا … فوق الغصون بأطيب الألحان
والروض أضحى زهره متبسما … كتبسم الحسنا بضوء جمان
وتهللت من مصر دوحة روضها … عند القدوم تهلل الفرحان
وتضاحك الميدان مذ غنت به … أطياره سحرا على العيدان
عاينته لما بدا في موكب … يزهو على كسري أنو شروان
لما ارتقى عند الصعود لقلعة … رفعت عليه قبة السلطان
طلع الخليفة والقضاة أمامة … في الموكب المحفوف بالفرسان
قالت مراتب عزه لما أتى … لا تعجبوا فالسر في السكان
لسكندرية كان يوم دخوله … قد عد ذاك اليوم بالسلطان
ما زال أهل الثغر من فرح به … بتباشر في السر والأعلان
لو كان ذو القرنين حيا في الورى … لاقاه بالإكرام والإحسان
واختاره ملكا يلي من بعده … في سائر الأقطار والبلدان
فاق الملوك بمصر ممن قد مضى … أخباره في سالف الأزمان
قد عاد للأوطان في بشر وفي … نصر وتأييد وصفو زمان
فالله يكفيه مؤنة حاسد … ويطيل أياما له بتهان
ما ماس غصن في الرياض وكللت … أيدي الغمام شقائق النعمان
قد ضاء لابن إياس شعر قاله … في الأشرف الغوري العظيم الشان
ثم الصلاة على النبي المصطفى … خير البرية من بني عدنان
والآل والأصحاب ما طرد الدجا … ضوء الصباح وعم للأكوان
وأما ما كان من ملخص أخباره عند توجهه إلى ثغر الإسكندرية، فإنه نزل من القلعة وسافر في يوم الاثنين مستهل ذي القعدة، فنزل أولا في المكان المسمى بالسبكية في بولاق، فتغدى هناك ثم عدى إلى بر إنبابة ونزل بالوطاق الذي بالمنية، فأقام به خمسة أيام، قيل: إنه كان متظرا لكتب العقبة حتى يعلم أخبار ولده وزوجته خوند، فلما ورد عليه كتب العقبة اطمأن ورحل من المنية، وقد قاسى العسكر في التعدية ما لا خير فيه، وجرح