وفي يوم السبت ثالثة جاءت الأخبار من بلاد الشرق صحبة السعاة من بعض النواب بأن سليم شاه ابن عثمان سلطان الروم وقع بينه وبين شاه إسماعيل الصوفي وقعة مهولة تشيب منها النواصي، وقتل من عسكر ابن عثمان نحو من ثلاثين ألفا، وقيل نحو ستين ألفا، وقتل مثل ذلك من عسكر الصفوي، فكان بينهما من الحروب المهولة ما يطول شرحه، وكان ذلك في سادس رجب سنة عشرين، وقيل قتل من أمراء ابن عثمان اثنا عشر أميرا مقدم ألف، وقتل من عسكر الصفوي أضعاف ذلك، وقيل كانت هذه الواقعة بالقرب من تبريز العجم، وكانت الكسرة أولا على ابن عثمان وآخر الأمر أن الصفوي انكسر كسرة قوية، وقتل غالب عسكره وانهزم الباقون ولم ينج منهم إلا القليل، وأشيع أن الصفوى قد قتل في المعركة ووجد تاجه مرميا على الأرض، وقد تواترت الأخبار بذلك وقويت الإشاعات بقتله والله أعلم بحقيقة ذلك.
وأشيع أنه واصل عقيب ذلك عدة رؤوس ممن قتل من عسكر الصفوي من أعيان أمرائه وعسكره وقد ملك ابن عثمان غالب بلاد الصوفي من ممالك الشرق، فلم يرسم السلطان بدق الكوسات لهذا الخبر، وكذلك الأمراء أخذوا حذرهم من ابن عثمان، وخشوا من سطوته وشدة بأسه لما يحدث منه بعد ذلك إلى جهة بلاد السلطان.
وفي يوم الجمعة تاسع شهر رمضان كانت وفاة الأمير خاير بيك الخازندار الكبير، أحد الأمراء المقدمين وصهر السلطان زوج أخته قديما، فأخرجت جنازته من بيته الذي عند جامع الأزهر، وتوجهوا بنعشه إلى سبيل المؤمنين فنزل السلطان له وحضر الخليفة وصلى عليه. وكانت جنازته حافلة ومشت فيها قضاة القضاة والأمراء المقدمون وأعيان المباشرين وغير ذلك من الأعيان، ودفن في تربته التي أنشأها بالصحراء، وكان صله من مماليك الظاهر خشقدم، وكان متزوجا بأخت السلطان قانصوه الغوري من حين كان جمدارا، فلما تسلطن الغوري أنعم عليه بأمره عشرة، ثم بقي خازندارا كبيرا عوضا عن عبد اللطيف الزمام بحكم وفاته، ثم صار أمين السلطان على خزائن الأموال وغيرها، وصار لا يقضى أمر من أمور المملكة دون علمه، ثم أنعم عليه السلطان بتقدمة ألف فتزايدت عظمته وتضاعفت حرمته، ونال من العز والعظمة ما لا ناله أغاته الأمير خاير بيك الخازندار مملوك الظاهر خشقدم في دولة أستاذه في أيام خازنداريته. ولكن كان خاير بيك هذا عنده رهج وخفة وبادرة بسفاهة مع حدة زائدة، وكان إذا رسم السلطان بأمر لا يراجعه فيه إلا الأمير خاير بيك ولا يكون إلا ما يقوله الأمير خاير بيك، وكان له محاسن ومساوئ، وكان له الأدلال الزائد على السلطان، وكان عنده من المقربين. وتوفي الأمير خاير بيك وله من العمر نحو ثمانين سنة، ولما مات ظهر له من الموجود أشياء كثيرة