وفي يوم الأربعاء خامس عشر شعبان، الموافق لسابع بابه، فيه ثبت النيل المبارك على خمس عشرة أصبعا من عشرين ذراعا، وكان هذا النيل المبارك أزيد من نيل السنة الخالية بإحدى عشرة أصبعا.
وفي أثناء هذا الشهر نزل السلطان إلى قبة يشبك التي بالمطرية وبات بها، وكانت ليلة مقمرة، فمد له الزيني بركات بن موسى هناك مدات حافلة، وما أبقى في ذلك ممكنا من أطعمة فاخرة وحلوى وفاكهة وسمك وخرفان شوى وغير ذلك. وحضر عند السلطان مغاني وأرباب آلات وانشرح هناك إلى الغاية، وأقام في القبة يومين، وكانت الملقة معمرة بالماء وهي في غاية البهجة، ثم طلع إلى القلعة بعد العصر.
وفي هذا الشهر كان الأمير خاير بيك الخازندار مريضا على خطة وأشيع موته غير ما مرة، واستمر على ذلك وهو مريض ملازم للفراش والإشاعات قائمة بموته في كل يوم.
*****
وفي يوم الخميس كان مستهل شهر رمضان فطلع الخليفة والقضاة الأربعة للتهنئة بالشهر، فجلس السلطان بالميدان، وطلع الوزير يوسف البدري والزيني بركات بن موسى المحتسب، وعرضا اللحم والدقيق والخبز والغنم والبقر على السلطان كما جرت به العادة وهو مزفوف على رؤوس الحمالين، فخلع السلطان عليهما وخلع على القاضي شرف الدين الصغير ناظر الدولة الخلع السنية، وكان ذلك اليوم مشهودا.
وأما في ليلة رؤية الهلال فحضر القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية، وحضر الزيني بركات بن موسى المحتسب، فلما ثبتت رؤية الهلال وانقض المجلس، ركب الزيني بركات بن موسى من هناك فتلاقاه الفوانيس الأكرة والمجانيق والمشاعل والشموع الموقودة، فلم يحص ذلك لكثرته، ووقدوا له الشموع على الدكاكين وعلفوا له التنانير والأحمال الموقودة بالقناديل من الأمشاطيين إلى سوق مرجوش إلى الخشابين إلى سويقة اللبن إلى عند بيته، فارتجت له القاهرة في تلك الليلة، وكانت من الليالي المشهودة، وأطلقوا له مجامر بالبخور بطول الطريق، وكان ذلك يعادل المواكب السلطانية، وكان الزيني بركات بن موسى محببا للناس قاطبة فارتفعت له الأصوات بالدعاء، وكان له سعد خارق لم يقع لغيره من الناس إلا القليل، ولا سيما ما اجتمع فيه من الوطائف السنية ما لا اجتمع في أحد من الأعيان قبله منها الحسبة الشريفة واستادارية الذخيرة وغير ذلك من الوظائف والتحدث على الجهات من البلاد السلطانية.