الصواب، فاجتمع في الميدان في ذلك اليوم الجم الغفير من الخلائق، وكان يوما مشهودا، فساق الرماحة في ذلك اليوم مرتين، ثم لعب بعد ذلك جماعة من المماليك خصمانية في الرمح، والقاصد ينظر إليهم ويتعجب من ذلك، فلما انقضى أمر سوق الرماحة قام السلطان ودخل إلى البحرة التي أنشأها في الميدان، وأضاف القاصد هناك هو والأمراء ومد لهم أسمطة حافلة وأظهر أنواع العظمة في ذلك اليوم إلى الغاية، ثم خلع على قاصد ابن عثمان خلقة سنية وأدن له في السفر صحبة العسكر، ثم بدا للسلطان بأن يعوق قاصد ابن عثمان إلى أن يحضر إينال باي دوادار سكين، فلم يخرج صحبة العسكر كما أشيع قبل ذلك أمر سفره مع الأمراء، ثم خلع السلطان في ذلك اليوم على الأمير تمر المعلم وأركبوه فرسا بسرج ذهب وكنبوش، وخلع على الباشات الأربعة كما جرت به العادة القديمة، وقد جدد السلطان ذلك بعد ما كان قد نسى أمره من أيام الأشرف قايتباي، فعد ذلك من محاسن السلطان.
وفي يوم الاثنين سابعه خرج الأمراء المعينون للتجريدة وهم الأمير قاني باي قرا أمير آخور كبير باش العسكر المنصور والأمير سودون الدواداري رأس نوبة النوب والأمير أرزمك الناشف أحد الأمراء المقدمين والأمير أبرك مملوك السلطان أحد الأمراء المقدمين وغير ذلك من الأمراء الطبلخانات والعشراوات، فكان لهم يوم مشهود. واستمرت الأطلاب تنسحب من إشراق الشمس إلى قريب الظهر، فأظهروا غاية العظمة في ذلك اليوم في تزخرف الأطلاب، حتى ارتجت لهم القاهرة في ذلك اليوم، واصطفت لهم الناس على الدكاكين بسبب الفرجة، وكان ذلك اليوم مشهودا، وكان طلب أمير آخور كبير غاية في الحسن ما أبقى فيه ممكنا، وكذلك بقية الأمراء، ثم أن السلطان خلع على أمير آخور خلعة السفر ونزل من القلعة في موكب حفل وصحبته الأتابكي سودون العجمي وسائر الأمراء المقدمين، فاستمروا صحبته حتى نزل في الوطاق بالريدانية.
وفي يوم الثلاث ثامنه كان أول يوم النوروز، وهو أول السنة القبطية، سنة عشرين وتسعمائة الخراجية وكان هذا اليوم عند الأفباط له شأن عظمي وكان يقع لهم فيه أخبار غريبة. وهو أول الأيام من توت من أول الشهور القبطية.
وفي يوم الأربعاء تاسعه أشيع بين الناس أن السلطان رسم بتسليم جاني بيك الأستادار إلى الزيني بركات بن موسى ليعاقبه حتى يستخلص منه الأموال التي قررت عليه. وكان السلطان قرر عليه ثلاثة وثلاثين ألف دينار فامتنع جاني بيك من ذلك وتكلم بكلام يابس.
فلما بلغ السلطان ذلك حنق منه ورسم بتسليمه إلى الزيني بركات بن موسى.