وصلى عليه في جامع الشيخ سلطان شاه ودفن في زاويته التي بالقرب من قنطرة قديدار، وكان معتقدا بالصلاح ﵁.
وفي يوم الأربعاء سابع عشرة جلس السلطان بالميدان وعرض العسكر المعين للتجريدة، فأنفق عليهم جامكية جمادى الأخرة توسعة عليهم خارجا عما أنفقه لهم من الأربعة أشهر المعجلة كما تقدم ذكر ذلك، وأنفق عليهم عليق ذلك الشهر، وفرق عليهم الخيول التي كانت لهم في الديوان … فجماعة من المماليك أخذوا لهم خيولا شيء فرس وشيء فرسين، وجماعة منهم أخذوا لهم ثمن فرس خمسة آلاف درهم، وقد بالغ السلطان في الإحسان إليهم وما أبقى في ذلك ممكنا ووعدهم بأن يصرف لهم ثمن اللحم أيضا عقيب ذلك، فارتفعت له الأصوات بالدعاء من العسكر.
وفي يوم الخميس ثامن عشرة أشيع موت شمس الدين بن عوض أستادار الذخيرة الشريفة وغير ذلك من الوظائف السنية. وهو محمد بن أحمد بن عوض، وأصلهم فلاحون من منية مسير. وكان شمس الدين هذا في مبتدأ أمره فقيرا جدا فباشر ديوان جماعة من الأمراء المقدمين، مهم الأمير أزبك الخازندار والأمير أزدمر الدوادار وغير ذلك من الأمراء، ثم راج أمره في دولة الأشرف قانصوه الغوري وباشر ديوان السلطان، وصار أستادار الذخيرة، وابنه شرف الدين مستوفي على الخزائن الشريفة، وابنه فخر الدين مباشر عند الأمير طومان باي الدوادار، فتلاعبت به الدنيا لكثرة هرجه وركب فيها في غير سرجه، فأخذ في أسباب المراقعات في المباشرين وأعيان الناس حتى ضجت منه الأفلاك والأملاك. وكان انفرد بالسلطان وعول عليه، فأخذه الله تعالى من الجانب الذي كان يأمن إليه، فتغير خاطر السلطان عليه وقبض عليه كما تقدم ذكر ذلك، فتسلمه الزيني بركات بن موسى على مائة وخمسين ألف دينار غير ستين ألف أردب شعير. فلما تسلمه شرع يعذبه بأنواع العذاب من ضرب مقارع وعصره في أكعابه وأصداعه هو وولده شرف الدين، وصار ابن عوض يقاسي ذلك العذاب الأليم ولم يرد من المال الذي قرر عليه سوى قدر عديم، فاستمر تحت العقوبة إلى أن مات وولى عمره وفات. فمات وهو في بيت الوالي على حصير والحديد في عنقه، فما فكوه من عنقه حتى مات شر موتة ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ فما مات في بيت الوالي حمل إلى داره فغسل وكفن ولم يمش له أحد في جنازة، وفي ذلك عبرة لمن يعقل، وقد قيل في المعنى:
ألا إنما الدنيا كمثل أراكة … إذا اخضر منها جانب جف جانب