للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يوم الثلاثاء ثاني الشهر نزل السلطان إلى المقياس وبات به، وعزم على قاصد بن عثمان هناك وجلس معه في القصر الذي أنشأه على بسطة المقياس ومد له هناك أسمطة حافلة وأظهر أنواع العظمة الزائدة في تلك الليلة، وأحضر قراء البلد وأقام بالمقياس يومين. ثم طلع إلى القلعة يوم الأربعاء أواخر النهار وانشرح هناك إلى الغاية.

وفي يوم الثلاثاء تاسعه أرسل السلطان إلى الأمراء المقدمين الذين تعينوا إلى السفر فأرسل لهم في ذلك اليوم النفقة، فأشيع أنه أرسل إلى الأمير قاني باي قرا أمير آخور كبير باش العسكر خمسة آلاف دينار، وأرسل إلى سودون الدواداري رأس نوبة النوب أربعة آلاف دينار، وأرسل إلى الأمير أرزمك الناشف ثلاثة الاف دينار، والأمير أبرك مثله.

وفي ذلك اليوم وقعت كائنة عظيمة للأمير قانصوه أبو سنة أحد الأمراء المقدمين.

وسبب ذلك أن علاء الدين ناظر الخاص كان اقترض من الأمير قانصوه هذا مبلغا له صورة وشرع يمطله به مدة طويلة، فحنق منه الأمير قانصوه فركب وجاء إلى بيته فوقع بينه وبين ناظر الخاص تشاجر، ففجر عليه ناظر الخاص فحنق منه الأمير قانصوه وشتمه فأغلظ عليه ناظر الخاص في القول، فقام إليه ولكمه على رأسه فطلع ناظر الخاص إلى القلعة وشكاه إلى السلطان. فلما تحقق السلطان صحة ذلك تغير خاطره على الأمير قانصوه وأرسل يقول له: الزم بيتك. وقصد يختم على حواصله ويحتاط على موجوده.

وأشيع نفيه إلى دمياط فقيل: إن الأتابكي سودون العجمي طلع إلى السلطان وشفع فيه من النفي، ورضي خاطر السلطان عليه واستمر على إمرته كما كان.

وفي يوم الجمعة ثاني عشرة جاءت الأخبار بأن ابن عثمان أرسل قاصدا آخر مطرّا على جرائد الخيل، فلما وصل إلى الصالحية بات بها تلك الليلة فسرق له من تحت رأسه بقجة فيها قماش القاصد وبعض مبلغ، ومن جملة ذلك مطالعة ابن عثمان إلى السلطان.

فلما بلغ السلطان ذلك تنكد إلى الغاية، وقيل أنه قبض على لحيته من شدة غضبه، وعين في الوقت والساعة بابا إلى شيخ العرب أحمد بن بقر وعلى يده مراسيم بأن يفحص على من أخذ بقجة هذا القاصد من العربان، وإن ضاعت مطالعة ابن عثمان التي في البقجة كانت روحه قبالة ذلك. فتوجه إليه البابا، وأشيع فيما بعد بأن شيخ العرب قبض على من أخذ بقجة القاصد وأعيد إليه ما سرق له بالتمام من يومه. وقيل: إن السلطان حلف بحياة رأسه إن لم يحضر شيخ العرب أحمد بن بقر بهذه البقجة بجميع ما فيها وإلا يوسط الأمير أحمد في ثيابه … واستمر الأمر على ذلك حتى يظهر أمر البقجة.

ويقرب من هذه الواقعة ما اتفق في دولة الملك الظاهر جقمق رحمة الله عليه. وذلك أن في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة حضر إلى الأبواب الشريفة قاصد من عند شاه روخ

<<  <  ج: ص:  >  >>