وفي يوم الخميس عشرينه حضر إلى الأبواب الشريفة السادة الأشراف إخوة السيد بركات أمير مكة، وكان سبب حضورهم إلى القاهرة أن وقع بينهم وبين أخيهم السيد بركات فتنة مهولة، وقتل جماعة كثيرة من الفريقين، فانكسر إخوة السيد بركات وولوا مدبرين، فما وسعهم إلا الحضور إلى عند السلطان حتى يكون من أمرهم ما يكون.
وأرسل الأمير حسين نائب جدة يعلم السلطان بذلك وأن الفرنج قد زاد تعبثهم بسواحل الهند وملكوا كمران من ضياع جهات الهند. وأرسل يستحث السلطان في إرسال تجريدة بسرعة قبل أن تملك الفرنج سواحل الهند وربما يخاف على جده من أمر الفرنج. وفي هذا الشهر اضطربت الأحوال على السلطان من جميع الجهات.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه حضر إلى الأبواب الشريفة قاصد من عند سليم شاه بن عثمان ملك الروم، وهذا القاصد جليل القدر من أعيان أمراء ابن عثمان، وكان ابن عثمان عين هذا القاصد من حين كان الأمير أقباي الطويل عنده فلم يحضر إلى مصر إلا الآن، فلما دخل القاهرة أنزله في بيت الظاهر تمربغا الذي عند سوق السلاح بالقبو إلى أن يقابل السلطان.
وفي يوم السبت تاسع عشرينه نزل السلطان إلى قبة يشبك وأقام بها إلى بعد العصر وعاد إلى القلعة.
*****
وفي جمادى الآخرة كان مستهل الشهر يوم الاثنين، فطلع الخليفة والقضاة الأربعة للتهنئة بالشهر.
وفي ذلك اليوم طلع قاصد ابن عثمان إلى القلعة وقابل السلطان، فأوكب له بالحوش وجلس على المصطبة ونصب على رأسه السحابة الزركش، ورسم بأن يزينوا باب الزردخاناه بالسلاح والصناجق فزينوه، واصطفت الأمراء والعسكر بالحوش من غير شاس ولا قماش، ثم طلع القاصد وصحبته أزدمر المهمندار وجماعة من الرؤوس النوب، وطلع معه تقدمة حافلة للسلطان تشتمل على خمسة وعشرين حمالا ما بين وشق وسمور وقاقم وأثواب مخمل وبرصاوي وشقق سمرقندي ملون، وحمال عليه أواني فضة، وطلع صحبته بخمسة وعشرين مملوكا صغارا حسان الأشكال. وكان ذلك القاصد جميل الهيئة وصحبته جماعة من العثمانية ذوو هيئات جميلة. فلما طلع وقابل السلطان أكرمه وقرأ مطالعته ثم نزل وانفض الموكب، وكان ذلك اليوم مشهودا.