وفي هذه الأيام اشتد أمر الحر، فأقام السلطان في الميدان أربعة أيام بلياليها وهو في أرغد عيش، وأطلق الماء في البحرة التي بالميدان، وصار يمد السماط هناك ويأكل هو وأخصاؤه، فشق ذلك على بقية مماليكه، فلما نزلوا إليه بالسماط خطفوه وكسروا الصحون الصيني، فلما بلغ السلطان ذلك تنكد وقام من وقته وطلع إلى الدهيشة، وكان قصده الإقامة في الميدان إلى يوم الجمعة فنكد عليه المماليك.
*****
وفي ربيع الآخر كان مستهل الشهر يوم الجمعة فطلع الخليفة والقضاة الأربعة وهنوا بالشهر.
وفي يوم الاثنين رابعه حضر الأمير أرزمك الناشف أحد المقدمين، وكان له مدة وهو مقيم بالفيوم بسبب عمارة الجسر الذي هناك كما تقدم ذكر ذلك، فلما كمل عمارته حضر إلى القاهرة فخلع عليه السلطان كاملية حافلة بسمور ونزل إلى داره وصحبته جماعة من الأمراء.
وفي يوم الثلاثاء خامسه كانت وفاة شيخنا العلامة زين الدين عبد الباسط بن الغرسي خليل ابن شاهين الصفوي الحنفي، وكان عالما فاضلا رئيسا حشما من ذوي البيوت، وكان من أعيان الحنفية، وكان مولده سنة أربع وأربعين وثمانمائة فكانت مدة حياته نحو ست وسبعين سنة. وكانت له اليد الطولى في علم الطب، وله عدة مصنفات نفيسة منها تاريخه الكبير المسمى بالروض الباسم وآخر دونه يسمى نيل الأمل في ذيل الدول، وآخر في التوفيقات على حروف المعجم، وآخر في علم الطب، وغير ذلك في الشروحات على كتب الحنفية، وكان والده الغرسي خليل من أعيان الناس ولي الوزارة بالديار المصرية وولي عدة نيابات جليلة منها نيابة حماة وصفد والقدس الشريف ونيابة الإسكندرية وغير ذلك من النيابات الجليلة وكان في مقام الأمراء المقدمين، وأما الشيخ عبد الباسط ﵀ فكانت صفته طويل القامة نحيف الجسد، وكان يربى له ذؤابة شعر في رأسه على طريقة الصوفية، وكان له أنف وافر جدا حتى أن بعض شعراء العصر قال فيه مداعبة لطيفة وهو قوله: