وقيل: إن في ذلك اليوم احترق جماعة من الصناع الذين يصحنون البارود فمات منهم نحو عشرين إنسانا، وقيل: إن النار تعلقت في قلع غراب من الأغربة فأحرقته عن آخره، فكان مصروف ذلك القلع نحو خمسمائة دينار لأن قلوع بحر الملح بخلاف قلوع بحر النيل.
وأشيع أن السلطان عبث على بعض الأمراء فأنزلهم في الغراب الكبير الذي برسم الباش، وكان به قاعة تحت المقعد الذي يجلس فيه الباش، فرسم للأمراء بأن ينزلوا إلى تلك القاعة، فنزل الأمير سودون الدواداري رأس نوبة النوب. والأمير أنصباي حاجب الحجاب، والأمير علان الدوادار الثاني، وآخرون من الأمراء. فلما استقروا بتلك القاعة طلع الأمير طومان باي الدوادار وأغلق على الأمراء باب الطابقة التي على تلك القاعة وتكاسل عنهم ساعة، فظن الأمراء أن السلطان قد قبض عليهم بهذه الحيلة التي عملها عليهم، فأقاموا والطابقة مغلوقة عليهم نحو عشر درجات فضاق الأمر عليهم وساء بهم الظن، فعند ذلك جاء إليهم الأمير طومان باي الدوادار فقال لهم: من أراد أن يطلع من الطابقة يحضر كل واحد منكم قنطار سكر للسلطان، فما صدقوا بذلك وقالوا: السمع والطاعة، ففتح لهم باب الطابقة فطلعوا وهم في غاية الاضطراب! ..
وكانت إقامة السلطان في السويس ثلاثة أيام.
وقد أنشأ السلطان هناك خانا ودكاكين وبعض دور وغير ذلك من الأبنية المفيدة، وحفر هناك آبارا وصنع عليها سواقي، فلما عاد السلطان إلى بركة الحاج أنعم على الأمراء الذين كانوا بصحبته. فأنعم على الأتابكي سودون العجمي بخمسمائة دينار في نظير كلفته وتعبه، وأنعم على الأمير أركماس أمير مجلس بأربعمائة دينار، وكذلك الأمير سودون الدواداري والأمير طومان باي الدوادار والأمير أنصباي حاجب الحجاب وبقية الأمراء المقدمين ممن كان صحبته. وأنعم على الأمراء الطبلخانات ممن كان صحبته وهم: قنبك رأس نوبة ثاني ومغلباي الزردكاش وآخرون من الأمراء الطبلخانات فأنعم على كل واحد منهم بمائة دينار في نظير كلفته وأنعم على الأمراء العشراوات ممن كان صحبته لكل واحد منهم بخمسين دينارا في نظير كلفته، ثم أن السلطان رحل من بركة الحاج ونزل بالريدانية.
فلما كان يوم السبت ثاني عشر صفر ركب السلطان من هناك ودخل من باب النصر وشق القاهرة في موكب حافل بغير شاش ولا قماش، وكان قدامه ولده المقر الناصري محمد، وهو لابس تبع سلطاني، ولا صنجق سلطاني ولا قبة ولا طير، فلاقاه القضاة الأربعة من الريدانية ودخلوا القاهرة قدامه، ولاقاه سائر الأمراء المقدمين قاطبة