مذ عطلت مصر من سقا يلوح بها … لما أحل بها السلطان بلواء
وقد بقينا لفقد الماء من ظمأ … مثل البنات العذارى نشتهي الماء
وقال آخر:
سبحان من يحكم في خلقه … بعدله فيهم ولو شاء بطش
خوفهم بالجوع لم ينتهوا … عذبهم من بعده بالعطش
وفي يوم الأربعاء تاسعه جاءت الأخبار بأن السلطان عاد من السويس ونزل ببركة الحاج، فكانت مدة غيبته في هذه السفرة ثمانية أيام. وقاسى العسكر في هذه المدة اليسيرة غاية المشقة، ومات لهم عدة بغال ووقع فيهم عطشة شديدة. وتكلف الأمراء والعسكر في هذه السفرة كلفة كبيرة. فلما بلغ الخليفة والقضاة الأربعة مجيء السلطان توجهوا إليه نحو بركة الحاج، وذلك في يوم الخميس عاشر صفر، فلما سلموا عليه وهنوه بالسلامة بالغ في إكرامهم، ثم توجه إليه الأمراء والعسكر الذين كانوا بالقاهرة فخرجوا إليه قاطبة، ولاقاه القاضي كاتب السر ابن أجا وغير ذلك من الأعيان.
وكان من ملخص أخبار هذه السفرة أن السلطان لما وصل إلى السويس كان يوم دخوله هناك يوما مشهودا، وطلب طلبا حافلا ما بين جنائب وهجن باكورا زركش، وكان صحبته محفة والكوسات والطبول والزمور، وكان هناك الرئيس سلمان العثماني وجماعة من العثمانية البحارة فقصد السلطان إظهار العظمة لأجل جماعة ابن عثمان حتى قيل: دخل العسكر إلى السويس وهو لابس آلة الحرب، وكان جماعة ابن عثمان هناك نحوا من ألفي إنسان، فلما وصل السلطان إلى هناك كشف على تلك الأغربة التي عمرها هناك وكانت نحو عشرين غرابا، فالذي انتهى منه العمل أنزلوه إلى البحر الملح بحضرة السلطان، وكان ذلك اليوم هناك مشهودا، وقيل: كان مصورف تلك الأغربة بما فيها من مكاحل نحاس وحديد وغير ذلك من آلة السلاح فصرف على ذلك من مال السلطان نحو أربعمائة ألف دينار وكسور على ما قيل، وكان الرئيس سلمان العثماني هو الشاد على عمارة تلك الأغربة، وهو المشار إليه في ذلك، فلما حضر السلطان مد له هناك الرئيس سلمان مدة حافلة، فخلع عليه السلطان كاملية مخمل أحمر بسمور، وأنعم عليه بألف دينار، وخلع على جماعة من النجارين والحدادين والقلافطة لكل واحد خلعة سنية.