خليل ابن عم الخليفة الذي توفي فرافعوا أمير المؤمنين المتوكل عند السلطان بسبب المرتب الذي كان لوالدهم خليل، فإن الخليفة المتوكل لما ولى الخلافة زاد في مرتب سيدي خليل حتى قطع بذلك لسانه عنه، فلما توفي سيدي خليل قرر الخليفة ما كان زاده في مرتب سيدي خليل لولده سيدي هارون، فلما سمع السلطان كلام أولاد سيدي خليل تعصب للخليفة ونهر أولاد سيدي خليل وقال لهما:"إذا زاد في معلوم أبوكم شيء حتى قطع به لسانه عنه فلما مات أقول له اجعل الذي زدته لخليل من بعده لأولاده. أنا أحكم عليه في شيه. اخرجوا عني لا تروني وجوهكم قط". ثم قال:"والله أن يرجع أحد منكما يشكو من الخليفة عندي ما يحصل له معي خير. اخرجوا من وجهي نزقتوني". وكان الذي بالغ في مرافعة الخليفة أبو بكر بن سيدي خليل وأخوه أحمد، ثم قال لهما:"كونوا كلكم تحت طاعة ابن عم أبيكم" فخرجا من بين يديه وهما يتعثران في أذيالهما، ونصر الخليفة المتوكل عليهما، وقرر الخليفة ما كان زاده لخليل وجعله لابنه هارون، ولم يطلع من يد أولاد خليل في حق الخليفة شيء وانتصف عليهما، ورجع الخليفة من عند السلطان وهو في غاية العز والعظمة.
ثم أن السلطان أقام بالوطاق إلى يوم الأربعاء ثاني الشهر، فرحل من الريدانية بعد الظهر وتوجه إلى الخانكاه فتعشى هناك، ثم رحل وقصد التوجه إلى نحو السويس، ورجع بقية الأمراء الذين لم يسافروا مع السلطان، فلما رحل من الخانكاه جاءت الأخبار بأن الماء الذي حمله السلطان معه في القرب قد فسد جميعه من القرب كونها كانت جديدة فصار الماء أحمر كالدم ونتن ودود، وكان السلطان حمل معه نحو ثلاثة آلاف قربة، ففسد ذلك الماء جميعه.
فلما كان يوم الجمعة رابعه أرسل السلطان إلى الأمير خاير بك الخازندار والزيني بركات بن موسى المحتسب بأن يرسلا إليه جمال السقايين بالروايا والماء، فعند ذلك قبض الزيني بركات بن موسى على جمال السقايين الذين بالقاهرة فاختفى بقية السقايين وأخفوا الجمال، فعند ذلك ماجت القاهرة واضطربت لأجل منع الماء، واشتد عطش الناس، وصار الأمراء والعسكر الذين بالقاهرة ينقلون الماء في الجرر على ظهور الخيل والبغال، وبقية الناس ينقلون الماء بالجرر على ظهور الحمير، واستمرت القاهرة أربعة أيام لم يلح بها راوية ماء على جمل. وقبض الزيني بركات بن موسى على نحو مائة وعشرين جملا برواياها وأرسلها إلى السلطان. فبلغ بعد ذلك سعر كل قربة ماء نصفين فضة ولا توجد.
وصار الناس يشربون من الصهاريج والآبار العذبة في مدة ذلك الاضطراب. وقد قلت في هذه الواقعة: