والإقبال من غير سعي ولا كلفة بخلاف ما وقع لغيرهم من القضاة فيما تقدم، فعد لهم ذلك من جملة السعد، وقد قلت في هذه الواقعة هذه الأبيات:
إمام الورى ولي قضاة لشرعنا … فهم أربع وهي البدور الطوالع
فمنهم علاء الدين قاض معظم … بدا نوره بين الورى وهو ساطع
ومنهم إمام جيد شاع زهده … على مذهب النعمان لله طائع
ومنهم عريق الأصل من نسل قاسم … أتى مالكي للموطأ تابع
ومنهم فقيه تابع لابن حنبل … أتته فتوح العلم أولاده صانع
بهم بنية الإسلام صحت وكيف لا … تصح وهم أركانها والطبائع
فلا عجب إن وسع الله في الهدى … مذاهبنا بالعلم فالشرع واسع
وكان السلطان لما ولي هؤلاء القضاة قرر معهم بأن يخفوا من نوابهم.
فلما كان يوم الجمعة طلع القاضي علاء الدين وخطب بالسلطان، فلما انتهى أمر الصلاة عرضوا على السلطان قوائم بأسماء النواب من الأربعة مذاهب، فرسم للقضاة الأربعة بمائة نائب: للقاضي الشافعي أربعين نائبا، وللقاضي الحنفي ثلاثين نائبا، وللقاضي المالكي عشرين نائبا، وللقاضي الحنبلي عشرة نواب. وقرر معهم ألا يولوا أحدا من النواب إلا بإذنه، فانفصل المجلس على ذلك.
وفي يوم السبت عاشره نزل السلطان من القلعة وأشيع سفره إلى وادي العباسة، فلما نزل توجه إلى قبة يشبك التي بالمطرية فبات بها، وكان صحبته الأتابكي سودون العجمي وبقية الأمراء المقدمين قاطبة، خلا أمير آخور كبير وطقطباي نائب القلعة وخاير بيك الخازندار، فكان معه الجم الغفير من الأمراء الطبلخانات والعشراوات والخاصكية، فرجت لهم القاهرة في ذلك اليوم. فأقام السلطان في قبة يشبك إلى يوم الأحد فرحل من هناك هو والأمراء قاطبة، وكان صحبته من البيرق والسنيح ما يعادل سفر البلاد الشامية.