هذه النفقة أن السلطان لما حصل له هذا العارض في عينه أشاعوا عنه أنه قد عمي فاتفق رأي الأمراء على خلعه من السلطنة، وذكر للسلطنة جماعة من الأمراء ثم ذكر الظاهر قانصوه الذي بالسجن بثغر الإسكندرية، وذكر للسلطنة سيباي نائب الشام، وذكر أيضا للسلطنة ابن السلطان. وكان العسكر قاطبة مقلوبا على السلطان بسبب أن لهم عليقا مكسورا، وكذلك اللحوم ولم ينفق عليهم شيئا لما أنفق على مماليكه، وكانوا يشكون من خراب إقطاعاتهم من جور الكشاف ومشايخ العربان ووزن الحمايات فضجوا من ذلك، فكان كما يقال في أمثال الصادح والباغم وهو قوله:
ومن أضاع جنده في السلم … لم يحفظوه في لقاء الخصم
فالجند لا يرعون من أضاعهم … كلا ولا يحمون من أجاعهم
وأضعف الملوك طرا عقدا … من غره السلم فأقصى الجندا
فلما رأى السلطان أن العسكر قد تغلب عليه نادى لهم بالنفقة وشرع يستجلب خواطرهم مما تقدم منه قبل أن يتسع الخرق على الراقع.
وفي ذلك اليوم ظهر محمد بن نصر الله الذي كان ناظر دار الضرب واختفى من السلطان مدة طويلة، فلما أظهر السلطان العدل في هذه الأيام أرسل يطلب منه الأمان فبعث إليه بمنديل الأمان حتى ظهر.
ثم بعده ظهر القاضي شرف الدين الصغير كاتب المماليك وكان له مدة وهو مختف من السلطان، فلما طلع وقابله خلع عليه ونزل إلى داره في موكب حافل، وكان السلطان قد أرسل إليه منديل الأمان حتى ظهر ولكنه لما خلع عليه لم يعده إلى وظيفته في كتابة المماليك كما كان أولا.
ثم شرف الدين الجويني الذي كان مباشر الأمير أزدمر الدوادار وكان له مدة طويلة وهو مختف فظهر بالأمان من السلطان.
وفي يوم الثلاثاء ثانيه ظهر المعلم على الصغير وأخوه المعلم أحمد، المعاملين في اللحم، وكان المعلم علي له مدة وهو مختف من السلطان فنادى به بالأمان حتى ظهر هو وأخوه المعلم أحمد.
وفي يوم الأربعاء ثالثه جلس السلطان في شباك الأشرفية وأنفق على المماليك الذين عينهم صحبة الأمير خشقدم شاد الشون، فأنفق على كل مملوك ثلاثين دينارا، وأنفق لكل