والعمال ممن عليه مال منكسر، فأطلق في ذلك اليوم واحدا وثمانين إنسانا، وأظهر العدل في ذلك اليوم جدا حتى ارتفعت له الأصوات بالدعاء وكبر من كان حاضرا في الحوش السلطاني من الجم الغفير من الناس حتى سمعوهم من الجبل المقطم، وكان يوما مشهودا، فانطلقت النساء له بالزغاريت في الحوش وضجت له الرعية بالأدعية السنية.
ثم في ذلك اليوم شاوروه على إعادة الدكك التي كانت على أبواب الحكام فلم يوافق على ذلك وقال:"الذي له حق يتوجه بغريمه إلى الشرع، والحرامية يتوجهون بهم إلى بيت الوالي".
وفي ذلك اليوم أشهر السلطان المناداة للعسكر بالعرض ولا يتأخر منهم لا كبير ولا صغير، فصار العسكر لا يدرون ما سبب هذا العرض، وكان الطعن قد أخذ في التناقص عما كان.
*****
وفي جمادى الأولى طلع الخليفة والقضاة الأربعة للتهنئة بالشهر، وجلس السلطان في المقعد الذي بالميدان، وطلع إليه العسكر والأمراء قاطبة من كبير وصغير، فلما قام الخليفة والقضاة وانصرفوا رسم السلطان بإحضار المصحف العثماني فتوجه لإحضاره ألماس دوادار سكين، فلما أحضروه بين يدي السلطان تقدم القاضي كاتب السر محمود بن أجا وحلف عليه الأمراء المقدمين قاطبة ثم الأمراء الطبلخانات ثم جماعة من الأمراء العشراوات، فخلفوا على المصحف العثماني بأنهم لا يخامرون على السلطان ولا يركبون عليه ولا يثيرون فتنة بين المماليك وبين السلطان، فلما حلفوا حلف لهم السلطان أيضا بأنه لا يغدرهم ولا يخونهم ولا يمسك أحدا منهم لا كبيرا ولا صغيرا، ثم أحضروا الأمير أركماس أمير مجلس فحضر وهو بتخفيفة صغيرة، وقد تقدم القول على أن السلطان تغير خاطره عليه وقال له، الزم بيتك أو توجه إلى دمياط، فلما طلع رضي عليه السلطان وألبسه كاملية مخمل أحمر بسمور من ملابيسه وأقره في إمرة مجلس على عداته.
فلما نزلت الأمراء التفت إلى العسكر وشرع يأخذ بخواطرهم وقال لهم:"أنا مقصر في حقكم لا تؤاخذوني ونحن أولاد اليوم فكل من كان له عليق مكسور أو لحم مكسور أصرفه له"، ثم نادى للعسكر في الميدان بأن النفقة مع الجامكية لكل مملوك ثلاثون دينارا من كبير وصغير حتى أولاد الناس والأمراء المقدمين، لكل واحد منهم ألف دينار، والأمراء الطبلخانات لكل واحد مائتا دينار، والأمراء العشراوات لكل واحد منهم مائة دينار، فلما سمع العسكر ذلك ضجوا له بالدعاء ونزلوا وهم في غاية الجبر من السلطان. وكان سبب