نزلوا من القلعة وفي عينهم قطرة وقد ملئوا منهم رعبا، فلما نزلوا من القلعة أشيع الركوب على السلطان ووزع الأمراء قماشهم في الحواصل.
واشتد وجع عين السلطان وارتخى جفنه على عينيه واحتجب عن الناس في الأشرفية أياما، وكثر القيل والقال بين الناس، وأشيع أن السلطان قد عمي فصار يجلس في شباك الأشرفية قدر درجة حتى ينظره الناس، فكانت الكحالين يصنعون له رفادة على عينيه وفي الرفادة لزق بعلوكات حتى يرتفع جفنه قليلا عن عينه وينظر الناس ما دام جفنه مرتفعا فإذا قلعت تلك اللزق ارتخى جفنه كما كان أولا.
وفي يوم الخميس سادس عشرينه توفي شخص من الأمراء العشراوات يقال له: جان بلاط بن تغري بردي، وكان أصله من مماليك الملك الأشرف قايتباي.
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه لم يخرج السلطان ولا صلى الجمعة، وكثر الاضطراب بسبب ذلك.
وفي يوم السبت ثامن عشرينه فرق السلطان على مماليكه سيوفا وزرديات، وصاروا يباتون في القلعة كل ليلة ومعهم آلة السلاح، والإشاعات قائمة بوقوع فتنة كبيرة وأن السلطان يقصد القبض على بعض الأمراء، فأخذت الأمراء حذرهم من السلطان وصاروا لا يطلعون القلعة إلا قليلا. وفي هذه المدة أشيع بأن السلطان أرسل إلى ثغر الإسكندرية مراسم بأن نائب الإسكندرية يضيق على الظاهر قانصوه وهو في السجن ويمنع عنه من كان يدخل إليه من الناس حتى من غلمانه الذين كانوا يدخلون عليه، وصار الظاهر في غاية الضنك، وقيل: إن الأمراء يقصدون عوده إلى السلطنة، فأشيع ذلك حتى أرسل السلطان ضيق عليه.
وفي يوم الأحد تاسع عشرينه أراد السلطان بأن يظهر العدل بين الناس فجلس في شباك الأشرفية وأمر بعرض المحابيس الذين في الحبوس، فلما عرضوا عليه من في الحبوس الأربعة أمر بعرض من في البرج الذي بالقلعة ومن كان بالعرقانة التي بالحوش السلطاني. فلما عرضوا عليه أمر بإطلاق جماعة منهم ممن كان بالعرقانة، وهم: الأمير تغري بردي الترجمان، والجمالي يوسف بن أبي أصبع الحلبي وكان من جملة أخصاء السلطان، ثم تعير خاطره عليه وجرى عليه شدائد ومحن.
وأطلق صهره عبد الرحمن، وكان له مدة طويلة وهو في العرقانة ورسم السلطان بأنه لا يحلق له رأس ولا يقص له أظفار، فلما خرج من العرقانة طال شعره حتى صار مثل شعر النساء فعجب منه الناس لما خرج ورأوا شعره.