للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى القلعة جلس السلطان معهم في الدهيشة وعينه مرفودة بخرقة بيضاء، ثم التفت إلى الأمراء وقال لهم: "بلغني أنكم بتوزعوا قماشكم". فقالوا له: "نعم قد بلغنا أن المماليك الجلبان يقصدون قتلنا ونهب بيوتنا فلما سمعنا ذلك وزعنا قماشنا". فلما سمع السلطان ذلك أحضر مصحفا وحلف عليه بأنه لا يخونهم ولا يغدرهم ولا يمسك منهم أحدا، ثم أنه حلف الأمراء أيضا بأنهم لا يخامرون ولا يركبون عليه، فحلفوا بذلك على المصحف، ثم قامت الأمراء من عنده وانقض المجلس.

فلما نزلت الأمراء رسم السلطان للوالي بأن ينادي في القاهرة للناس بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، وأن أحدا من الناس لا ينقل له قماشا من مكان إلى مكان، ومن فعل ذلك شنق من غير معاودة ونهب ما معه من القماش، وأن لا مملوك ولا غرم ولا عبد يمشي من بعد المغرب بسلاح، ولا مملوك يعبث على سوقي في دكانه ولا متسبب.

ثم بعد ذلك قبض الوالي على غلام الأمير ماماي جوشن أحد الأمراء المقدمين، فلما قبض عليه بالليل وجد معه بغال محملة قماشا فاخرا، فأخذ منه القماش وأمر بشنقه حتى شفع بعض من كان مع الوالي من الأمراء حتى أطلقه، وقيل: عرض على السلطان فأمر بضربه بالمقارع فشفع فيه بعض الأمراء، وكان الوالي في مدة توعك السلطان يطوف في القاهرة من بعد العشاء ومعه جماعة من الخاصكية نحو من مائة إنسان، وكان غالبهم لابس زرديات وفي أيديهم رماح، فيطوف في كل ليلة المدينة والحارات والإقة ويقبض على من يجده يمشي من بعد العشاء.

ومن الحوادث أن جماعة من الصناع دخلوا إلى الزردخاناه ليصحنوا البارود، فصعد منه الدخان فاحترق سقف الزردخاناه وعملت فيه النار، فاضطربت القلعة لذلك، وكان السلطان في شباك الأشرفية فقام واختفى من عظم الدخان، فاحترق من الصناع ثلاثة أنفار حتى ذاب لحمهم عن عظمهم من النار فنزلوا بهم إلى بيوتهم فقاموا ثلاثة أيام وماتوا الثلاثة قاطبة، فتفاءل الناس بأن حرق الزردخاناه فأل على السلطان.

ولما تزايد بالسلطان ذلك العارض في عينه طلع الخليفة وسلم عليه، فأشيع بين الناس بأن السلطان أرسل خلف الخليفة ليخلع نفسه من الملك ويولي ولده ولم يكن لهذا الكلام صحة، فاضطربت الأحوال لذلك، فسلم الخليفة على السلطان ونزل إلى بيته، فلما نزل خمدت تلك الإشاعات الفاسدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>