للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان يوم الثلاثاء عاشره نزل السلطان إلى الميدان وجلس به ورسم بعرض المماليك المعينة إلى السفر، فلم يطلع منهم في ذلك اليوم أحد، فبلغ السلطان أنهم قالوا:

"نحن نسافر بلا نفقة نموت في البراري بالجوع والعطش". فتنكد السلطان في ذلك اليوم إلى الغاية، وقام من المجلس سريعا، وكان في غاية التشويش بسبب عينه، وأشيع في ذلك اليوم الركوب على السلطان.

وفي يوم الأربعاء حادي عشره نزل السلطان وتوجه إلى المطربة وكشف على العمارة التي أنشأها هناك، ثم أقام في قبة يشبك التي هناك إلى بعد العصر ثم عاد إلى القلعة.

وفي يوم الخميس ثاني عشره جاءت الأخبار من عند نائب حلب بأن إسمعيل شاه بن حيدر الصفوي ملك العراقين قد خرج عليه بعض أعدائه من ملوك التتر، فتحارب معهم فانكسر الصفوي وقتل من عسكره نحو من ثلاثين ألفا، وأن الصفوي جرح وفقد ولم يعلم له خبر، فكاتب السلطان بهذا الخبر سبعة من النواب، فلما سمع السلطان هذا الخبر سر به.

وفيه توفي الريس عبد القادر القطبي، وكان من أعيان الأطباء.

وفي يوم الجمعة ثالث عشره نزل السلطان وتوجه إلى المقياس وصلى هناك صلاة الجمعة، وتوجه إلى هناك قاضي القضاة الشافعي وخطب به في جامع المقياس وصلى صلاة الجمعة هناك، وأقام بالمقياس إلى بعد العصر، ثم عاد إلى القلعة، فتزايد به رخو الجفون في عينيه وأشيع بين الناس أنه قد عمي وغارت عينه، فاحتجب أياما عن الناس في القبة الأشرفية، وكثر القال والقيل بين الناس بسبب ذلك، فتعطلت الناس في هذه المدة من المراسيم لأجل قلة العلامة وعدم المحاكمات، حتى أشيع بين الناس أن السلطان يقصد أن يخلع نفسه من الملك ويولي ولده عوضا عنه لأجل العلامة على المراسيم والمحاكمات، فلم تتم تلك الإشاعة التي أشيعت بين الناس بذلك. ومما بلغني من بعض أخصاء السلطان أنه لما تزايد به هذا العارض في عينيه واضطربت به الأحوال، كان يقف في شباك قبة الأشرفية بطول الليل ويتضرع إلى الله تعالى ويقول: "يا من لا يوصف بالظلم والجور، ارحم عبدك قانصوه العوري". ثم يقول: ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾.

وكان يكثر منقول: يا بصير يا بصير، وقد خشي مما شاعت به أعداؤه، ونسي ما قدمت يداه، وقد قلت في معنى ما وقع له:

سلطاننا الغوري غارت عينه … لما اشترى ظلم العباد بدينه

<<  <  ج: ص:  >  >>