وفي يوم الخميس رابعه ظهر بركات أخو شرف الدين الصغير كاتب المماليك، وكان له مدة وهو محتف كما تقدم ذكر ذلك.
وفي يوم الاثنين ثامنه خل السلطان على مملوكه أبرك وأعاده إلى نيابة طرابلس كما كان أولا، فنزل من القلعة في موكب حافل وصحبته الأمراء.
وفي يوم تاريخه رسم السلطان بنقل المكاحل التي سبكها في المسبك الذي بجوار الميدان، فأمر بأن يتوجهوا بها إلى نحو تربة العادل حتى يجربها هناك، فوضعوها على عجل وسحبتها الأبقار، فنزلوا بها من الصليبة، فرجت لها الأسواق وصاروا يتصلبون بين الدكاكين فما خلصوا إلا بعد جهد كبير. فلما وصلوا إلى بيت الأمير تاني بك قرا الذي عند حمام الفارقاني، انخسف بإحداها سرادب هناك، فوقعت تلك المكحلة الكبيرة في السرادب فأعيا الناس طلوعها، وأقامت على ذلك إلى قريب المغرب وهي على حالها، وقيل إن السلطان سبك نحوا من سبعين مكحلة ما بين كبار وصغار من نحاس وحديد، فكان منها أربع كبار فقيل وزن كل واحدة منها ستمائة قنطار شامي، فكان طول كل واحدة نحوا من عشر أذرع، فحصل في ذلك اليوم غاية المشقة بسبب ذلك، وكان صحبة المكاحل الأمير مغلباي الشريفي الزردكاش فما قاسى في ذلك اليوم خيرا من التعب الزائد والمشقة.
وفي يوم الثلاثاء تاسعه توفي الأمير دولات باي قرموط أحد الأمراء المقدمين، فنزل السلطان وصلى عليه، وكان له جنازة حافلة، وكان أصله من مماليك الأشرف قايتباي، وكان موصوفا بالشجاعة، وكان من أعيان المقدمين، وتولى من الوظائف ولاية القاهرة ثم بقي مقدم ألف. وقد توفي من الأمراء المقدمين خمسة في مدة يسيرة، وكانوا من أجل الأمراء وأعظمهم، وقد قلت في ذلك:
إذ صفا الدهر يوما … عن ذلك الصفو يرجع
هل من لبيب تراه … بأيسر العيش يقنع
فكم نرى لأمير … من مصرع بعد مصرع
وفي يوم الخميس حادي عشره عمل السلطان المولد النبوي، وصادف ذلك أنه جاء في ليلة الجمعة فاجتمع القضاة الأربعة في ذلك اليوم بالحوش السلطاني، وسائر الأمراء من الأكابر والأصاغر، وكان مولدا حافلا على جاري العادة.
في يوم الأحد رابع عشره نزل السلطان وسير إلى نحو المطرية وكشف على المكاحل التي توجهوا بها إلى هناك حتى يجربوها، فلما توجه إلى هناك أقام ساعة وعاد إلى القلعة سريعا.