وفي يوم الاثنين خامس عشره خرج الأمير طومان باي الدوادار وسافر إلى جهة الصعيد بسبب ضم المغل، وسافر معه جماعة من الأمراء والمماليك السلطانية، وكان صحبته الأمير خاير بك الكاشف أحد المقدمين ممن كان من مضافاته، فخرج في موكب حافل وكان له يوم مشهود.
وفي يوم الخميس ثامن عشره أرسل نائب سيس إلى السلطان عشرة رؤوس وعليهم طراطير حمر، وزعموا أنهم من عسكر الصفوي كانوا يفسدون في البلاد، فقبض عليهم نائب سيس وحز رؤوسهم وأرسلهم إلى السلطان، فلما عرضوا عليه رسم بإشهارهم على رماح فأشهروهم في القاهرة ثم علقوهم على باب النصر وباب الفتوح، وقد قويت الإشاعات بأن الصفوي متحرك على البلاد، وأن قاصده واصل إلى السلطان.
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه خلع السلطان على الأمير تمر الحسني المعروف بالزردكاش أحد الأمراء المقدمين، وقرره في أمرة الحاج بركب المحمل، وخلع على الأمير يوسف الناصري شاد الشراب خاناه الذي كان نائب حماة فيما تقدم وقرره في أمرة الحاج بالركب الأول فتشكى من ذلك فلم يقبل.
وفيه رسم السلطان لكاشف الشرقية وكاشف الغربية بأن ينزلا على البلاد، ويستخرجا من الفلاحين الحمايات والشياخة وقدوم الكشاف عن سنة ثماني عشرة وتسعمائة الخراجية قبل أن تدخل وقبل أن تنزل النقطة وينادي على النيل، فحصل للمقطعين غاية الضرر وصارت الكشاف تنزل على البلاد وتكبس على الفلاحين ويستخرجون منهم الأموال بالضرب، والذين يهربون يقبضون على نسائهم وعلى أولادهم. فخرب غالب البلاد، ورحل عنها الفلاحون، فصار الذي تخرب بلاده من المقطعين يأخذون جامكيته في نظير الحماية والشياخة، وصارت الكشاف يستخرجون المال من البلاد، وجاني بك يستخرج من المقطعين بالقاهرة، فضاع الخراج بينهما، والذي يكون مسافرا من المقطعين يرسمون على زوجته وأولاده ووصيه حتى يأخذوا منهم الحماية. وكان القئم في ذلك جاني بك الذي كان دوادار الأمير طراباي رأس نوبة النوب، وقد بقي الآن ناظر الديوان المفرد، فنوع في أيامه أنواع المظالم التي لم يسمع بمثلها فيما تقدم.
ومن العجائب أن المغل كان قائما على أصوله في الأرض لم يحصد بعد، والعسكر لم يقلعوا الصوف وصار جاني بيك يكبس على بيوت الأمراء العشراوات بالطواشية ويقبض منهم الحماية بالعسف، ويرسم على الخاصكية، ويدعهم في التراسيم بسبب الحماية والشياخة وقدوم الكشاف، ولا يعرف إن كان البلاد خرابا أو عامرة، فجرى على المقطعين ما لا خير فيه من المغارم والبهدلة.