للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العساكر بالديار المصرية بعد وفاة الأتابكي قرقماس بن ولي الدين، فأقام في الأتابكية خمسة عشر يوما ومات، فإنه ولي يوم الخميس عاشر صفر ومات ليلة الجمعة خامس عشرينه، فكانت مدته في الأتابكية خمسة عشر يوما لا غير وقد قلت في معنى ذلك:

إن دولات باي لما أن رقى … امرة الكبراء ولي مسرعا

جاء للمنصب يحكي زائرا … ثم ما سلم حتى ودعا

وكانت جنازته حافلة ونزل السلطان وصلى عليه، ثم توجهوا به إلى تربة العادل طومان باي فدفن بها فإنه كان قرابته. وكان الأتابكي دولات باي أميرا جليلا جميل الصورة مليح الهيئة طويل القامة أبيض اللون مستدير اللحية أسود الشعر شابا في عنفوان شبابه، مات وله من العمر نحو من أربعين سنة، فكثر عليه الأسف والحزن من الناس فإنه كان لين الجانب قليل الأذى لا ينسب إليه خير ولا شر، وكان مشغولا بملاذ نفسه، وكانت مدة توعكه خمسة أيام حتى أشيع بين الناس أنه مات مشغولا، وكان موته فجأة، وخلف من الأولاد صبيين، قيل وبنات أيضا، وظهر له من الموجود أشياء كثيرة ما بين مال وقماش وبرك وغير ذلك مما لا ينحصر، فكان بينه وبين موت الأمير طراباي دون الشهرين.

وقد توفي في مدة يسيرة من الأمراء المقدمين ثلاثة كانوا نوابغ الأمراء وهم: الأتابكي قرقماس ابن ولي الدين، وطراباي رأس نوبة النوب، والأتابكي دولات باي، هذا غير ما توفي من الأمراء الطبلخانات والعشراوات.

وفي يوم السبت سادس عشرينه ظهر المعلم على الصغير أحد معاملي اللحم، وكان له مدة وهو مختف، فقابل السلطان في ذلك اليوم وقيل خلع عليه كاملية بسمور.

وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه حضر الأمير طومان باي الدوادار، وكان توجه إلى نحو العربية بسبب فساد العربان، وقد خرج إليهم على جرائد الخيل ثانيا، فلما وصل إلى هناك هربت العرب من وجهة فتبعهم إلى قريب السباح، فلم يظفر بأحد منهم وقاسى من امشقة ما لا خير فيه، فلما رجع وطلع إلى القلعة خلع عليه السلطان خلعة حافلة ونزل إلى داره في موكب عظيم.

وفي أثناء هذا الشهر وقع حريق مهول عند قنطرة الأمير حسين، وكانت ليلة شعث قام فيها ريح عاصف، فاحترق تلك الليلة نحو من أربعين دارا، وكان ذلك وقت المغرب، فلعبت النار في البيوت وأعيا الناس طفيها، واستمرت على ذلك أياما، وذهب للناس جملة أموال وقماش وبضائع وغير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>