للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه قبض السلطان على شرف الدين الصغير كاتب المماليك وعلى شرف الدين النابلسي الأستادار، وقرر عليهما مالا له صورة، ووضعهما في الحديد وسجنهما بالعرقانة، واستمرا على ذلك حتى يكون من أمرهما ما يكون.

وفي يوم السبت سادس عشرة حضر قاصد من عند ابن عثمان ملك الروم وعلى يده مكاتبة للسلطان، فلما ناولها قبلها السلطان ووضعها على عينيه، ثم ناولها إلى كاتب السر فقرأها بحضرة السلطان والأمراء، وكانت ألفاظ هذه المكاتبة مرجزة، صنعة البديع، وقد نعت فيها السلطان نعتا عظيما. وكان من مضمونها، أنه أرسل للسلطان عدة مراكب فيها زردخاناه فما يدري هل وصلت إلى السلطان أم لا، وأخبر فيها أن الرئيس كمال المجاهد قد غرق ولا يعلم له خبر، فأقام القاصد بمصر أياما قلائل وكتب له الجواب عن مكاتبته وأذن له بالسفر إلى بلاده.

وفي هذا الشهر أنعم السلطان على الأمير خاير بيك الخازندار بتقمة ألف، وصار من جملة الأمراء المقدمين.

وفيه توفي شمس الدين محمد الصالحي وكيل الشرع الشريف، وكان علامة في صنعة التوكيل عارفا بأمور الشرع، وكان لا بأس به.

ومن النوادر اللطيفة ما وقع في هذا الشهر وهو أن السلطان رسم بشيل الدكة التي كانت بالحوش يجلس فوقها السلاطين للمحاكمات، وقد جلس فوق هذه الدكة جماعة كثيرة من الملوك ونفذوا عليها الأحكام السلطانية، وكانت عوضا عن كرسي المملكة، فعز على الناس تغييرها ولم يتفاءلوا بذلك، ثم أنه بنى مكان هذه الدكة مصطبة بالحجر الفص وزخرفها بالرخام السماقي والزرزوري والمرسيني وغير ذلك من أصناف الرخام الملون الفاخر، ونقش بروزها وألبسها بالذهب وجعل لها افريزا من الرخام الأبيض وله رمانتا رخام، وكسا هذا الإفريز بالذهب ونقش عليه اسمه، وصنع فوق هذه المصطبة وزرة من الرخام الملون طولها أربع أزرع، فجاءت هذه المصطبة غاية في الحسن بحيث لم يعمل مثلها قط ولا سبقه أحد من الملوك إلى ذلك، وقد قلت في هذه الواقعة هذه الأبيات وهو قولي:

قد جدد الأشرف سلطاننا … مصطبة أوصافها تحكه

رخامها شبهت ألوانه … جواهر في عقد مشتبكه

<<  <  ج: ص:  >  >>