بالصحراء، بجوار تربة الأشرف اينال، فدفن بها داخل القبة رحمة الله عليه، وقد رثيته وهو قولي:
يا عين جودي بفيض دمع … وأكثري في البكا انتحابيك
على قرقماس قد رزينا … واستوحشت مصر للأتابيك
وكان الأتابكي قرقماس أميرا جليلا مبجلا معظما، وكان أصله من مماليك الأشرف قايتباي وأعتقه فهو من معاتيقه، وولي من الوظائف أمرة آخورية الثانية ثم بقي مقدم ألف ثم بقي رأس نوبة النوب وقرر في نيابة حلب في دولة الأشرف جان بلاط ولم يتم ذلك، ثم سجن بقلعة الشام لما توجه مع الأمير طومان باي الدوادار، فلما تسلطن هناك سجنه مع جملة من سجن من الأمراء بقلعة دمشق، فلما تسلطن قانصوه الغوري أفرج عنه من سجن قلعة دمشق، فلما حضر قرره في أمرة السلاح ثم بقي أتابك العساكر بمصر عوضا عن قيت الرحبي لما نفي إلى ثغر الإسكندرية سنة عشر وتسعمائة. فأقام في الأتابكية ست سنين وشهرين إلا سبعة أيام ومات وهو في عشر الستين وزيادة، وكانت مدة توعكه أربعة أيام، وخلف أولادا صغارا ما بين ذكور وإناث عدتهم أربعة، وظهر له من الموجود نحو من سبعين ألف دينار خارجا عن بركه، وأعتق جميع من عنده من مماليك وعبيد وجوار. فلما مات استمرت الأتابكية بعده شاغرة لم يلها أحد من الأمراء، ورسم السلطان للزيني بركات بن موسى أن يتحدث في جهات الأتابكية إلى أن يليها من يختاره السلطان.
وفيه، في ثامن عشرينه، كان ختم البخاري بالقلعة على العادة وحضر القضاة الأربعة، ونصب السلطان خيمة كبيرة بالحوش وحضر بين القضاة في ذلك اليوم، وخلع على من له عادة من الفقهاء وفرقت الصرر، وكان ختما حافلا.
وفي تاسع عشرينه عرض ناظر الخاص خلع العيد على السلطان، وطلع بها إلى القلعة وهي مزفوفة على رؤوس الحمالي.
وفي ليالي العيد اشتد البرد وأمطرت السماء مطرا غزيرا حتى أوحلت منه الأسواق، وجاءت الأخبار من الشرقية والمنوفية بأن قد وقع في تلك الأيام برد كل واحدة قدر أحد عشر رطلا فقتلت عدة بهائم وتعطب منها أولاد الفلاحين، وأفسدت بعض الزروع، وكانت حادثة مهولة.