وفيه تغير خاطر السلطان على محمد بن سعيدة المقدم ذكره الذي كان عوانيا عند السلطان وينقل له أخبار الناس، وكان حظي عنده بحيث أنه كان يجلس معه على المرتبة ويلعب معه الشطرنج، واشتهر بين الناس بالمرافعة، وهو الذي سعى لقاضي القضاة محيي الدين ابن النقيب في عوده إلى القضاء، ثم وقع بينه وبين محمد بن سعيدة فطلع ابن النقيب وشكاه إلى السلطان بأنه سبه وشتمه، فحنق السلطان من محمد بن سعيدة وكان قد طاش في تلك الأيام إلى الغاية، وعادى الناس بسبب مرافعته لهم، وكثر الكلام في حق السلطان بسبه - فإنه كان جميل الصورة - فلما تغير خاطر السلطان عليه طلبه وبطحه بين يديه وضربه ضربا مبرحا ورسم بنفيه إلى الواح فنفي، فكان كما يقال في المعنى:
إياك أن تفرط في حق من … يعرف بالجود فقد يحنق
ولا تقل ذا حلمه واسع … فالماء إن سخنته يحرق
وفيه تسحب من البرج الذي بالقلعة أربعة أنفار منهم شيخ العرب ابن مهنا وآخرون من العربان، فلما تسحبوا قبض شيخ العرب ابن بغداد على ابن مهنا الذي تسحب من البرج، فقطع رأسه ورأس آخرين ممن تسحب معه وأرسل بهم إلى السلطان.
*****
وفي ربع الآخر كان ختم ضرب الكرة، وعزم السلطان على الأمراء ومد لهم أسمطة حافلة وجلس في المقعدة الذي أنشأه بالميدان عن قريب.
وفي يوم الخميس رابعه طلع قرقد بيك بن عثمان إلى القلعة واستأذن السلطان في عوده إلى بلاده فأذن له في ذلك، وخلع عليه خلعة سنية وهي منسوجة بالذهب شغل القاعة، ونزل من القلعة في موكب حافل وصحبته الأتابكي قرقماس وبقية الأمراء المقدمين وجماعة من الرؤوس النوب، فاستمروا معه إلى بولاق فقدموا له الحراقة التي يكسر فيها السلطان السد، وجهز معه عدة مراكب فيها زوادة برسم الإقامات، وأرسل معه السلطان أزدمر المهمندار ونانق الخازن وغير ذلك من غلمان السلطان يستمرون في خدمته حتى يصل إلى رشيد. وقد بالغ السلطان في إكرام قرقد بن عثمان هذا ووقع له معه أشياء غريبة لم تقع لغيره من الملوك السالفة فيما تقدم، ولا وقع قبل ذلك للقان أحمد بن أويس صاحب بغداد لما حضر إلى مصر في دولة الظاهر برقوق لما حضر بسبب