وفيه توفي الرئيس بركات السكندري رئيس الطب، وكان عارفا بأمر الطب لطيف الذات عشير الناس، وكان لا بأس به.
وتوفي القاضي شمس الدين محمد بن بدر الدين بن عبد القادر بن عبد الرحمن بن عبد الوارث أحد نواب الحكم المالكي، وكان علما فاضلا شابا رئيسا حشما لا بأس به.
وقد خرجت هذه السنة على الناس على خير، وكانت سنة مباركة رخية خصبة، وكان نيلها نيلا مباركا عاليا، وثبت إلى نصف هاتور القبطي، وزاد في هاتور ثماني أصابع حتى عد ذلك من النوادر الغريبة، ولكن حصل منه للناس بعض ضرر وغرق البذار الذي كانوا بذروه في أراضي الجيزة عند هبوط النيل، ثم زاد بعد ذلك هذه الثماني أصابع، فرسم السلطان للقضاة الأربعة بأن يتوجهوا إلى المقياس ويدعوا إلى الله تعالى في هبوطه، فتوجهوا إلى هناك وباتوا بالمقياس، وقرأ السلطان تلك الليلة ختمة شريفة ومد أسمطة حافلة، فانهبط في تلك الليلة نحوا من نصف ذراع. فعد ذلك من الوقائع الغريبة.
وفي هذه السنة أينعت الأشجار التي غرسها السلطان بالميدان، وأخرجت ماشتله به من الازهار ما بين ورد وياسمين وبان وزنبق وسوسان، وغير ذلك من الأزهار الغريبة. ولقد عاينت به وردا أبيض ذكي الرائحة، وهو غير أنواع الورد التي بمصر وقد نقل من الشام، وكان يطرح في أوان الصيف والنيل في قوة الزيادة، وهو نوع غريب لم يوجد بمصر. فكان السلطان يضع له دكة كبيرة مطعمة بالعاج والأبنوس ويفرش فوقها مقعدا مخملا بنطع ويجلس عليه، وتظله فروع الياسمين وتقف حوله المماليك الحسان بأيديهم المذبات ينشون عليه، ويعلق في الأشجار أقفاص فيها طيور مسموع ما يبن هزارات ومطوق وبلابل وشحارير وقماري وفواخت وغير ذلك من طيور المسموع. ويطلق بين الأشجار دجاج حبشي وبط صيني وحجل وغير ذلك من الطيور المختلفة، وتارة يجلس على البحرة التي طولها أربعون ذراعا وتمتلئ كل يوم من ماء النيل بسواقي نقالة من المجراة تجري ليلا ونهارا، فيجلس على سرير هناك في غالب أيام الجمعة ولا يدخل عليه من الأمراء أحد إلا من يختاره. وقد وقع له من المحاسن أشياء غريبة لم تقع لغيره من السلاطين، وقد صار هذا الميدان جنة على وجه الأرض، كما يقال في المعنى:
وشدت على العيدان ورق أطربت … بغنائها من غاب عنه المطرب