السلطان على العسكر المعين للتجريدة، فأعطى لكل مملوك مائة دينار على العادة، وجامكية أربعة أشهر معجلا، وثمن جمل سبعة أشرفية … فكان ما خص كل مملوك نفقة وجامكية وثمن جمل مائة دينار وثلاثين دينارا. ثم شرعوا في عمل اليرق.
وفي يوم الأربعاء، رابع عشره، عزم السلطان على قاصد ابن عثمان في قاعة البحرة، فأظهر في ذلك اليوم غاية العظمة في الفرش وفي الأسمطة والفواكه والحلوى، وملأ صحن فرعون الذي تحت شباك قاعة البحرة سكرا بماء الليمون، برسم جماعة القاصد، وعند الانصراف خلع على القاصد كاملية مخملا أحمر بسمور فاخر، وكان يوما حافلا جدا.
وفي تاسع عشره حضر إلى الأبواب الشريفة، شخص يقال له كمال، من خواص جماعة ابن عثمان، وقد ترجموا كمال هذا بتراجم عظيمة، بأنه لا يكل ولا يمل من الجهاد في الفرنج ليلا ونهارا، حتى أعيا الفرنج أمره، وأنه رأس المجاهدين المرابطين في الإسلام. فلما حضر أكرمه السلطان وبالغ في إكرامه وخلع عليه، فأقام بمصر مدة يسيرة ورجع إلى بلاده.
وفي العشرين من هذا الشهر جاءت الأخبار من غزة، صحبة هجان، بوفاة الأمير أزدمر بن علي باي الأشرفي أمير دوادار كبير، توفي بغزة يوم الخميس خامس عشر هذا الشهر، وقد مرض مدة ثلاثة أيام ومات. فلما جاء هذا الخبر تأسف عليه الكثير من الأمراء ممن كان من عصبته، وكان موته بغتة على حين غفلة، وأشيع بين الناس أنه مات مشغولا، وكان أميرا جليلا رئيسا حشما، لين الجانب قليل الأذى، وكان في عنفوان شبوبيته، وكان مرموقا بالشجاعة والفروسية … وهو من مشتريات الأشرف قايتباي، وولي عدة وظائف سنية، منها شادية الشراب خاناه ثم بقي مقدم ألف، ثم ولي الدوادارية الكبرى بعد الأمير مصرباي في سنة سبع وتسعمائة، فكانت مدته في الدوادارية الكبرى نحوا من ست سنين وخمسة أشهر إلا أياما. فلما تحقق السلطان موته، ضرب الحوطة على موجوده، ورسم على جماعته وغلمانه ومباشريه وقرر عليهم مالا له صورة.
وفيه حضر تغري بردي الترجمان، وكان توجه إلى بلاد الفرنج، وأقام بها نحوا من سنتين، فلما حضر خلع عليه السلطان وأقره على وظيفته.
وفيه ثبت النيل المبارك على ثماني عشرة أصبعا من تسع عشرة ذراعا، وكان في العام الماضي أرجح من ذلك بثماني أصابع.
وفيه توفي القاضي جمال الدين الأتميدي أحد نواب الحكم الشافعي، وكان لا بأس به.