ومن الحوادث في هذا الشهر كان انتهاء العمل من الجامع الذي أنشأه الشيخ عبد القادر الدشطوطي، بجوار بركة الرطلي، على أرض الطبالة، وبركة القرع. فلما كمل خطب به الشيخ علاء الدين الأخميمي النقيب، واجتمع به في ذلك اليوم قضاة القضاة وأعيان الناس، وكان يوما مشهودا. ثم أن الشيخ عبد القادر أشار بفتح فم بركة القرع، حتى تدخلها المراكب مثل بركة الرطلي، ففتح لها مسرب من الخليج الحاكمي، من عند ديل التمساح، فلما كان يوم الجمعة دخل فيها المراكب وانطلقت لها ألسن النساء بالزغاريت، وكان يوما مشهودا، وعد ذلك من النوادر، وصارت المراكب تدخلها في كل سنة من يومئذ.
*****
وفي ربيع الآخر تغير خاطر السلطان على أربعة من الأمراء الطبلخانات، فقبض عليهم، وهم جان بردي تاجر المماليك، وقلج أمير آخور ثاني، وبيبردي أخو جان بلاط الذي تسلطن، وتنم المقري. فلما قبض عليهم قيدهم. وسبب ذلك أنه بلغ السلطان أن هؤلاء الأمراء كانوا قد اتفقوا على قتله لما ينزل إلى الميدان وقت الظهر، وقد أقر بعضهم على نفسه بصحة ما نقل عنهم، فلما تحقق السلطان ذلك قبض عليهم ورسم بنفيهم.
وفيه توفي القاضي شمس الدين محمد بن مزاحم الطرابلسي ناظر الإسطبل، وكان رئيسا حشما، وولي عدة وظائف سنية، لكنه كان غير مشكور السيرة، وعنده ظلم وعسف.
وفيه خلع السلطان على الأمير ماماي جوشن، وقرره كاشف الغربية، عوضا عن الأمير خاير بك بن أينال الذي كان بها، وقد تعين باش التجريدة إلى الحجاز.
وفيه وقع أن شخصا من الأتراك، يسمى ماماي الداودي، أبا الأمير أبي يزيد أحد المقدمين، ضرب شخصا من تجار الأروام بسبب مشترى بغل، فلما ضربه سال دمه، فطلع التاجر شكاه إلى السلطان، فرسم لنقيب الجيش بالقبض عليه، وأن ينفيه إلى الواح.
فلما قبض عليه نقيب الجيش هرب من عنده تلك الليلة، فحصل على نقيب الجيش ما لا خير فيه بسببه … فلما هرب ماماي المذكور، اختفى الأمير أبو يزيد بسبب ذلك، ثم أن ماماي توجه إلى الأتابكي قرقماس ليشفع فيه عند السلطان، فطلع به وقابل السلطان، فحط عليه وقصد ضربه ثم رسم بنفيه إلى الواح. وكان ماماي هذا من شرار المماليك، وكان مشدا على جهات المكوس بقطيا.
وفي هذا الشهر وقع الاضطراب بين الأمراء، وأشيع أمر الوثوب على السلطان بسبب الأمراء الذين رسم بنفيهم كما تقدم، وقد صمم على نفيهم لأمر أوجب ذلك.