للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم في يوم الخميس سابع عشره خلع السلطان على سيباي وقرره في نيابة الشام عوضا عن أركماس الذي كان بها، فنزل من القلعة في موكب حافل.

وفيه جاءت الأخبار من مكة بأن الأحوال فاسدة، وأن عربان بني إبراهيم قد التفوا على يحيى بن سبع أمير الينبع، ومالك بن رومي أمير خليص، وقد اشتد الأمر في ذلك جدا، فلما تحقق السلطان ذلك أمر بإبطال التوجه إلى الحجاز في هذه السنة من مصر والشام وسائر الأعمال قاطبة وكانت هذه الواقعة من أعظم المصائب والثلم في الدين. وقد حضر الركب التكروري والركب المغربي ولم يحج منهم أحد في تلك السنة، ثم أن السلطان أرسل كسوة الكعبة الشريفة، وصرر الحرمين، والزيت، من البحر المالح في مراكب من الطور، ويتوجهون من هناك إلى جدة.

ثم أن السلطان عزل يحيى بن سبع عن أمرة الينبع وولي بها شخصا من أولاد دراج الذي كان أمير الينبع قبل ذلك، ولم يسمع من مبتدأ دولة الأتراك والي الآن، بأن الحجاج امتنع خروجهم إلى مكة سوى هذه السنة، وهي سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وقد تقدم ما وقع من الجازاني في حق الحجاج بالركب الشامي والعراقي والمصري، وما صنع بالمجاورين بمكة في سنة ثمان وتسعمائة، وقد تقدم القول على ذلك.

وقد جرى على الناس من الحوادث القديمة ما هو أعظم من ذلك، وهو أن في سنة ثماني عشرة وثلثمائة، في دولة الخليفة القاهر بالله أبي منصور محمد بن الخليفة المعتضد بالله العباسي، خليفة بغداد، لما تغلبت على الخلفاء طائفة من العربان يقال لهم: القرامطة، وكان أميرهم شخصا يسمى أبو ظاهر القرمطي، وكان يدعي أنه علوي. من أولاد الإمام علي ، وكان يقول: نحن أفضل من بني العباس، وكانت هذه القبيلة دون الألف إنسان، وكان أبو ظاهر القرمطي خارجيا سفاكا للدماء جاهلا، وكانت قبيلة هذه القرامطة يسكنون بهجر، فلما خرج ركب الحاج من بغداد، وكان أمير الركب يسمى منصور الديلمي، فلما وصل بالحاج إلى مكة، وأقام بها إلى يوم الصعود، هجم عليهم أبو ظاهر القرمطي بمن معه من العربان، فقتل محارب أمير مكة، وقتل منصور الديلمي أمير الركب، ونهب جميع الأموال التي بمكة، وقتل الحجاج عن آخرهم، وأسر النساء والصبيان الصغار، فكان عدة من قتل في هذه الحركة نحوا من خمسة وثلاثين ألف إنسان، وطرح غالب القتلاء ببئر زمزم حتى امتلأت بالقتلاء ثم دخل إلى البيت الشريف وأخذ ما كان فيه من القناديل الذهب والفضة، وقلع باب الكعبة الشريفة، وقلع الحجر الأسود وعرى الكعبة ونزع الكسوة عنها، وكانت هذه الحادثة من أجل المصائب وأعظمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>