للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يوم تاسعه نودي في القاهرة بالزينة، بسبب دوران المحمل، ولبس الرماحة الأحمر على العادة، وكان معلم الرماحة تمر الحسني الزردكاش أحد المقدمين والباشات الأربعة على حكم السنة الماضية. غير أنه لما توفي الأمير أبو يزيد، وكان أحد الباشات، قرر عوضه شخص من الأمراء الطبلخانات، يقال له: مصرباي، فساقوا في هذه السنة أحسن مما ساقوا في العام الماضي، وبات السلطان بالقصر وأحرقوا قدامه إحراقة نفط حافلة، ودارت المسايرات في القاهرة على العادة القديمة، ثم ساقوا الرماحة بالرملة مرتين على العادة، ونزلوا عن خيولهم وباسوا الأرض للسلطان في الرملة عند انتهاء اللعب، كما كان يفعل للملك الظاهر خشقدم، فأول من أحدث ذلك السلطان قايتباي لما كان يسوق في المحمل، ثم دار المحمل وكسوة الكعبة الشريفة ومقام إبراهيم ، فلما انقضى أمر المحمل خلع السلطان على المعلم والأربعة باشات ونزلوا إلى دورهم.

وفي هذا الشهر خلع السلطان على شيخ العرب بيبرس بن بقر وقرره في شياخة العرب على عادته، وقرر أقباي في كشوفية الشرقية على عادته، وكانت الشرقية يومئذ في غاية الاضطراب بسبب فساد العربان.

ومن الحوادث أنه في يوم الاثنين سادس عشر رجب، قبض السلطان على الأتابكي قيت الرحبي، وهو واقف بالحوش بين الأمراء فأدخلوه قاعة البحرة، وقبضوا معه على الأمير أزبك المكحل، فكثر القيل والقال في ذلك اليوم، ثم أن السلطان نادى في القاهرة بالأمان والإطمان، والبيع والشراء، فسكن ذلك الاضطراب قليلا. وكان الأتابكي قيت ظالما غاشما عسوفا، واسطة سوء قليل الخير كثير الأذى، وهو الذي كان سببا لأخذ أجرة الأملاك سبعة أشهر، وكذلك خراج الإقطاعات والرزق عن سنة كاملة، ثم تسبب في قطع جوامك أولاد الناس والأيتام والنساء، وحصل منه غاية الضرر للناس قاطبة، وكان إذا استعمل صانعا يقطع أجرته، وقد اجتمع فيه أشياء كثيرة من المساوئ. وقد اسود وجهه من كثرة المظالم، فكان كما يقال في المعنى:

يا مشبها في فعله لونه … لم تخط ما أوجبت القسمه

فعلك من لونك مستخرج … والظلم مشتق من الظلمه

ولما قبض السلطان على قيت ووبخه بالكلام أنكر ما نقل عنه، فأحضر له السلطان عدة مراسيم بما كان يكاتب بها النواب مما نقل عنه، فعند ذلك تبين صحة ما نقل عنه، وافتضح بين الأمراء. وكان سبب تغير خاطر السلطان على الأتابكي قيت الرحبي، أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>