للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونحن نشهد بالله أنهم وَفَوا بهذه البيعة، وقالوا بالحق، وصَدَعوا به، ولم تأخذهم فيه لومةُ لائم، ولم يكتموا شيئًا منه مخافةَ سوطٍ ولا عصًا ولا أميرٍ ولا والٍ، كما هو معلوم لمن تأمَّله من هَدْيهم وسيرتهم، فقد أنكر أبو سعيد على مروان وهو أمير على المدينة (١)، وأنكر عبادة بن الصامت على معاوية وهو خليفة (٢)، وأنكر ابن عمر على الحجّاج مع سطوته وبأسه (٣)، وأنكر على عمرو بن سعيد وهو أمير على المدينة (٤). وهذا كثير جدًّا من إنكارهم على الأمراء والولاة إذا خرجوا عن العدل، لم يخافوا سَوطهم ولا عقوبتهم، ومَن بعدهم لم تكن لهم هذه المنزلة، بل كانوا يتركون كثيرًا من الحقّ خوفًا من ولاة الظلم وأمراء الجور، فمن المحال أن يوفَّق هؤلاء للصواب ويُحرَمه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

الوجه الثامن والثلاثون: ما ثبت في «الصحيح» (٥) من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقِيَ المنبر فقال: «إنّ عبدًا خيَّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله». فبكى أبو بكر وقال: بل نَفْدِيك بآبائنا


(١) كما رواه البخاري (٩٥٦) ومسلم (٨٨٩) عن أبي سعيد وهو الخدري.
(٢) كما رواه مسلم (١٥٨٧).
(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (١٢/ ٢٢٦) والحاكم في «المستدرك» (٢/ ٣٣٩) بإسناد صحيح. وأخرج ابن سعد في «الطبقات» (٤/ ١٨٤) القصة التي فيها إنكاره على الحجاج وهو يخطب، وإسناده حسن. وانظر «سير أعلام النبلاء» (٣/ ٢٣٠).
(٤) الذي أنكر على عمرو بن سعيد هو أبو شُريح، كما أخرجه البخاري (١٠٤) ومسلم (١٣٥٤).
(٥) البخاري (٤٦٦، ٣٦٥٤) ومسلم (٢٣٨٢).