منهم يأمره بخلاف ما يأمره به الآخر، فإنه لا يُقدِم على تقليد واحد منهم، بل يبقى مترددًا طالبًا للصواب من أقوالهم؛ فلو أقدمَ على قبول قول أحدهم، مع مساواة الآخر له (١) في المعرفة والنصيحة والديانة، أو كونه فوقه في ذلك= عُدَّ مخاطرًا مذمومًا، ولم يُمدَح إن أصاب. وقد جعل الله في فِطَر العقلاء في مثل هذا أن يتوقف أحدهم، ويطلب ترجيح قول المختلفين عليه من خارجٍ، حتى يستبين له الصواب، ولم يجعل في فطرهم الهَجْمَ على قبول قول واحد واطِّراحَ قول من عداه.
الوجه السادس والسبعون: أن نقول لطائفة المقلدين: هل تسوِّغون تقليد كل عالم من السلف والخلف أو تقليد بعضهم دون بعض؟ فإن سوَّغتم تقليد الجميع كان تسويغكم لتقليد من انتميتم إلى مذهبه كتسويغكم لتقليد غيره سواء، فكيف صارت أقوال هذا العالم مذهبًا لكم تفتون وتقضون بها وقد سوّغتم من تقليد هذا ما سوّغتم من تقليد الآخر؟ فكيف صار هذا صاحب مذهبكم دون هذا؟ وكيف استجزتم أن تردُّوا أقوال هذا وتقبلوا أقوال هذا وكلاهما عالم يسوغ اتباعه؟ فإن كانت أقواله من الدين فكيف ساغ لكم دفع الدين؟ وإن لم تكن أقواله من الدين فكيف سوَّغتم تقليده؟ وهذا لا جواب لكم عنه.
يوضّحه الوجه السابع والسبعون: أن من قلّدتموه إذا روي عنه قولان أو روايتان سوَّغتم العمل بهما، وقلتم: مجتهد له قولان؛ فيسُوغ لنا الأخذ بهذا [٤٩/أ] وهذا، وكان القولان جميعًا مذهبًا لكم، فهلّا جعلتم قول نظيره من المجتهدين بمنزلة قوله الآخر وجعلتم القولين جميعًا مذهبًا لكم، وربما كان