أبو الطيب هذا البيت بالذي بعده وهو قوله:
تجاوبه فعلًا وما تسمع الوحى ... ويسمعها لحظًا وما يتكلم
الوحى هاهنا: الصوت, وكأنه يعني به ما خفي من الأصوات, لأن الوحى يستعمل في مواضع كثيرة؛ فيقال: وحى الله وأوحى إذا ألهم, ووحى الكاتب إذا كتب. وأوحى الرجل إلى صاحبه إذا أسر إليه أو أومأ. وقيل: موت وحي أي سريع؛ أي يكون في مدة قصيرة كأنها إيماء. وقالوا: الوحى في معنى العجلة؛ فقيل: إن الملك يوصف بوحى لسرعة أمره, وعلى ذلك فسروا قول الشاعر: [الكامل]
وعلمت أني إن علقت بحبله ... وصلت يداي إلى وحى لم يصقع
وقوله:
تجانف عن ذات اليمين كأنها ... ترق لميافارقين وترحم
تجانف: أي تمايل عن ذات اليمين؛ أي من الناحية التي من جانب أيمانها؛ لأن ميافارقين كانت في ذات اليمين. وترق من قولهم: رق الرجل لولده أو غيره إذا أشفق عليه. وقد ذكرت ميافارقين في الشعر القديم, وإنما يجب أن يكون ذلك بعد الإسلام. قال الشاعر: [الطويل]
فإن يك في كيل اليمامة عسرة ... فما كيل ميافارقين بأعسرا
وإنما زعم الشاعر أن الخيل تجانف عن ميافارقين لأن فيها قبر أم سيف الدولة.
وحدث رجل كان يتعصب لأبي الطيب, وله كتاب في ذكر محاسنه, أن سيف الدولة قال له بميافارقين: من عنيت بقولك:
ولما عرضت الجيش كان بهاؤه ... على الفارس المرخي الذؤابة منهم
فقال أبو الطيب: عنيت نفسي, فقال له سيف الدولة: وإلا فعليك لعنة الله.