للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دفعُه من الخواطر لم يُكلَّفوا دفعَه، وقد تقدَّم ذكرُ الخلاف في علاقة هذه الآية بالآية السابقة وهل هي ناسخةٌ أو مُخصصةٌ؟ والصواب: أنها رافعةٌ لحكمِ الآية عن بعض أفرادِ العامِّ فهي ناسخةٌ من حيث رفعِ الحكم ومُخصصةٌ من حيث تعلُّقِ النسخ ببعض أفراد العامّ، فهي ناسخةٌ من وجهٍ ومخصصةٌ من وجهٍ، وبهذا يعلم أنه لا منافاةَ بين القولِ بأنها ناسخةٌ، وبين القول بأنها مُخصصةٌ، وقد جاء هذا التخفيفُ بعد أن قال المؤمنون: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير (٢٨٥) وذلَّتْ بها ألسنتُهم فجزاهمُ اللهُ بإيمانِهم وانقيادِهم بإنزالِ هذه الآية: {لَا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.

ثم أخبر -تعالى- أن لكلِّ نفسٍ ما كسبتْ من الخير والعمل الصالح وعليها ما اكتسبتْ من الأعمال السيئة؛ كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} [فصلت: ٤٦]. ثم علَّم اللهُ المؤمنين هذه الدَّعوات: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} إلى قوله: {فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين (٢٨٦)}، وهي سبعُ دعواتٍ، وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللهَ أجابَ دعاءَ المؤمنين، وأَنَّ اللهَ قال بعد كلِّ دعوة: ((قدْ فعلتُ)) (١)، فعُلِمَ بذلك العفو عن الخطأِ والنسيانِ في هذه الشريعةِ، وأنه لم يُحمِّلْ على هذه الأمة فيما شرعَ لهم إصرًا كما حملَهُ على الأمم الماضية وأنه لا يُحمِّلْهُمْ ما لا يطيقون ووعدَهم العفوَ والمغفرةَ والرحمةَ والنصرَ على الكافرين، وما أحسن ما خُتِمَتْ به هذه السورةُ من هذه الدعواتِ المجابةِ فذلك من فضل الله على أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم فللَّه الحمدُ والمِنَّة والمُلْكُ والنعمةُ، لا نُحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه.

{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا} تُظهروا {مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} من السُّوء والعزمِ عليه {أَوْ تُخْفُوهُ} تُسرُّوه {يُحَاسِبْكُمْ}


(١) أخرجه مسلم (١٢٦) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <   >  >>