صدرَه ويُقِرُّ عَينَه؛ {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)}، وبهذا المشهد الذي كان فيه يعقوب وبنوه وما قال لهم وما قالوه له أبلغُ ردٍّ على ما يزعمه اليهودُ والنصارى من أنَّ يعقوب بل وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق على اليهودية أو النصرانية، كما يدلُّ على ذلك قولُه تعالى:{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}[البقرة: ١٤٠]، فأكذبهم اللهُ بما تضمَّنته هذه الآياتُ من قوله:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ}، إلى قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)}، وبقوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧)} [آل عمران: ٦٧].
وقوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)}: قيل: الجملةُ معطوفةٌ على جملة {نَعْبُدُ إِلَهَكَ}، وقيل: إنها حالٌ من فاعل {نَعْبُدُ}(١).
اذكر {إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ} انقَدْ لله وأخلص له دينك {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. {وَوَصَّى} وفي قراءةٍ أوصى {بِهَا} بالملة {إبْرَاهِيم بَنِيهِ وَيَعْقُوب} بنيه قال: {يَا بَنِيّ إنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّين} دين الإسلام {فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} نهى عن ترك الإسلام وأمرَ بالثبات عليه إلى مصادفة الموت. ولَمَّا قال اليهودُ للنبي: ألست تعلم أنَّ يعقوبَ يومَ مات أوصى بَنيه باليهودية؟ نزل:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء} حضورًا {إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} إذْ بدل من «إذ» قبله {قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} بعد موتي {قَالُوا نَعْبُد إلَهك وَإِلَه آبَائِك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق} عَدُّ إسماعيل من الآباء تغليبٌ، ولأنَّ العمَّ بمنزلة الأب {إلَهًا وَاحِدًا} بدل من «إلهك»
(١) واستحسن الطبري أنه حال، وقيل غير ذلك. ينظر: «تفسير الطبري» (٢/ ٥٨٧)، و «الكشاف» (١/ ٣٣٣)، و «البحر المحيط» (١/ ٦٤٢ - ٦٤٣).