للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ، أَنَصْنَعُهَا لَكَ؟ قُلْتُ: حَسْبِي مَا رَأَيْتُ، فَهَيَّئُوهَا ثُمَّ زَفُّوهَا إِلَيَّ مِنْ لَيْلَتِهِمْ، فَأَقْبَلَتْ تُهْدِيهَا النِّسَاءُ، فَلَمَّا وَقَفَتْ بِبِابِ الْحُجْرَةِ سَلَّمَتْ فَاسْتَجْفَى ذَلِكَ النِّسَاءُ مِنْهَا.

ثُمَّ دَخَلَتِ الْبَيْتَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ: أَيَتُهَا الْمَرْأَةُ، إِنَّ السُّنَّةَ إِذَا دَخَلَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا قَامَ فَصَلَّى وَتُصَلِّي خَلْفَهُ، وَيَسْأَلانِ اللَّهَ خَيْرَ لَيْلَتِهِمَا، وَيَتَعَوَّذَانِ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا.

قَالَ: فَتَقَدَّمْتُ لِلْصَلاةِ، فَإِذَا هِيَ خَلْفِي، فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا انْفَلَتُّ إِذَا هِيَ قَاعِدَةٌ عَلَى فِرَاشِهَا، فَأَخَذْتُ بِنَاصِيَتِهَا فَدَعَوْتُ وَبَرَّكْتُ، ثُمَّ مَدَدْتُ يَدِي، فَقَالَتْ: عَلَى رِسْلِكَ، فَقُلَتْ: إِحْدَى الدَّوَاهِي مُنِيتُ بِهَا وَاللَّهِ، فَقَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأُؤْمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَصَلَى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي امْرَأَةٌ غَرِيبَةٌ، لا وَاللَّهِ، مَا سِرْتُ مَسِيرًا قَطُّ هُوَ أَشَقُّ عَلَيَّ مِنْ مَسِيرِي إِلَيْكَ، وَأَنْتَ رَجُلٌ لا أَعْرِفُ أَخْلاقَكَ، فَحَدِّثْنِي بِمَا تُحِبُّ فَآتِيَهُ، وَمَا تَكْرَهُ فَأَنْزَجِرَ عَنْهُ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

قَالَ: فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدِمْتِ خَيْرَ مَقْدَمٍ عَلَى أَهْلِ زَوْجِكِ، سَيِّدِ رِجَالِهِمْ، وَأَنْتِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، سَيِّدَةُ نِسَائِهِمْ.

أُحِبُّ كَذَا، وَأَكْرَهُ كَذَا.

قَالَتْ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَخْتَانِكَ، أَتُحِبُّ أَنْ يَزُورُوكَ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ قَاضٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ يَمَلُّونِي.

قَالَ: فَبِتُّ بِأَعْيَشِ لَيْلَةٍ، ثُمَّ أَقَمْتُ عِنْدَهَا ثَلاثًا، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَلَبَثْتُ فِيهِ حَوْلا لا أَرَى فِيهِ يَوْمًا إِلا وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ انْصَرَفْتُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ إِلَى مَنْزِلِي، فَإِذَا عَجُوزٌ تَأْمُرُ وَتَنْهَى، فَقَالَتْ: كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا أُمَيَّةَ؟ قُلْتُ: يَا زَيْنَبُ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: خَتَنَتُكَ فُلانَةُ، تَعْنِي أُمَّهَا.

قُلْتُ: حَيَّاكِ اللَّهُ بِالسَّلامِ، كَيْفَ أَنْتِ يَرْحَمُكِ اللَّهُ؟ قَالَتْ: كَيْفَ رَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ؟ قُلْتُ: كَخَيْرِ امْرَأَةٍ.

قَالَتْ: إِنَّ الْمَرْأَةَ لا تَكُونُ فِي حَالٍ أَسْوَأَ خُلُقًا مِنْهَا فِي حَالَيْنِ: إِذَا حَظِيَتْ عِنْدَ زَوْجِهِا، وَإِذَا وَلَدَتْ غُلامًا، فَإِذَا رَابَكَ مِنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَالسَّوْطَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ، وَاللَّهِ، مَا حَازَتْ إِلَى بُيُوتِهَا شَيْئًا شَرًّا مِنَ الْوَرْهَاءِ الْحَمْقَاءِ الْمُدَلَّلَةِ.

قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّهَا ابْنَتُكِ، قَدْ كَفَيْتِنَا الرِّيَاضَةَ، وَأَحْسَنْتِ الأَدَبَ.

قَالَ: وَكَانَتْ تَأْتِي فِي كِلِّ سَنَةٍ تُوصِينِي بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ، فَِذَلِكَ حَيْثُ أَقُوْلُ:

إِذَا زَيْنَبٌ زَارَهَا أَهْلُهَا ... حَشَدْتُ وَأَكْرَمْتُ زُوَّارَهَا

وَإِنْ هِيَ زَارَتْهُمُ زُرْتُهَا ... وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِي هَوًى دَارَهَا

<<  <   >  >>