٣٩٢ - عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ، عَنْ رِجَالِهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " لَمَّا بَنَى عُثْمَانُ دَارَهُ بِالْمَدِينَةِ، أَكْثَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَبَلَغَهُ، فَخَطَبَنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النِّعْمَةَ إِذَا حَدَثَتْ حَدَثَ لَهَا حُسَّادٌ حَسْبُهَا وَأَعْدَاءٌ قَدْرُهَا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحْدِثْ لَنَا نِعَمًا لِيُحْدِثَ لَهَا حُسَّادٌ عَلَيْهَا، وَمُنَافِسُونَ فِيهَا، وَلَكِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ بِنَاءِ مَنْزِلِنَا هَذَا، مَا كَانَ إِرَادَةُ جَمْعِ الْمَالِ فِيهِ، وَضَمِّ الْقَاصِيَةِ، فَأَتَانَا عَنْ أُنَاسٍ مِنْكُمْ يَقُولُونَ: أَخَذَ فَيْئَنَا وَأَنْفَقَ شَيْئَنَا، وَاسْتَأْثَرَ بِأَمْوَالِنَا، يَمْشُونَ خَمَرًا، وَيَنْطِقُونَ سِرًّا كَأَنَّا غَيْبٌ عَنْهُمْ، وَكَأَنَّهُمْ يَهَابُونَ مُواجَهَتَنَا مَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِدُحُوضِ حُجَّتِهِمْ، فَإِذَا غَابُوا عَنَّا يَرُوحُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ يَذْكُرُنَا.
وَقَدْ وَجَدُوا عَلَى ذَلِكَ أَعْوَانًا مِنْ نُظَرَائِهِمْ وَمُؤَازِرِينَ مِنْ شُبَهَائِهِمْ، فَبُعْدًا بُعْدًا وَرُغْمًا رُغْمًا! ثُمَّ أَنْشَدَ بَيْتَيْنِ كَأَنَّهُ يُوْمِئُ فِيهِمَا إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ:
تَوَقَّدْ بِنَارٍ أَيْنَمَا كُنْتَ وَاشْتَعِلْ ... فَلَسْتَ تَرَى مِمَّا تُعَالِجُ شَافِيًا
تَشُطُّ فَيَقْضِي الأَمْرَ دُونَكَ أَهْلُهُ ... وَشِيكًا وَلا تُدْعَى إِذَا كُنْتَ نَائِيًا
مَالِي وَلِفِيئِكُمْ وَأَخْذِ مَالِكُمْ! أَلَسْتُ مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالا، وَأَظْهَرِهُمْ مَنَ اللَّهِ نِعْمَةً! أَلَمْ أَكُنْ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الإِسْلامِ، وَبَعْدَهُ! وَهَبُونِي بَنَيْتُ مَنْزِلا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَلَيْسَ هُوَ لِي وَلَكُمْ! ، أَلَمْ أُقِمْ أُمُورَكُمْ وَإِنِّي مِنْ وَرَاءِ حَاجَاتِكُمْ؟ فَمَا تَفْقِدُونَ مِنْ حُقُوقِكُمْ شَيْئًا، فَلِمَ لا أَصْنَعُ فِي الْفَضْلِ مَا أَحْبَبْتُ؟ فَلِمَ كُنْتُ إِمَامًا إِذًا؟ أَلا وَإِنَّ مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ، أَنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكُمْ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: لَنَفْعَلَنَّ بِهِ وَلَنَفْعَلَنَّ.
فَبِمَنْ تَفْعَلُونَ؟ لِلَّهِ آبَاؤُكُمْ! أَبِنَقَدِ الْبِقَاعِ أَمْ بِفَقْعِ الْقَاعِ؟ أَلَسْتُ أَحْرَاكُمْ إِنْ دَعَا أَنْ يُجَابَ؟ وَأَقْمَنَكُمْ إِنْ أَمَرَ أنْ يُطَاعَ؟ لَهْفِي عَلَى بَقَائِي فِيكُمْ بَعْدَ أَصْحَابِي، وَحَيَاتِي فِيكُمْ بَعْدَ أَتْرَابِي، يَا لَيْتَنِي تَقَدَّمْتُ قَبْلَ هَذَا، لَكِنِّي لا أُحِبُّ خِلافَ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ لِي عَزَّ وَجَلَّ.
إِذَا شِئْتُمْ فَإِنَّ الصَّادِقَ الْمُصَدَّقَ، مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ حَدَّثَنِي بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِكُمْ، وَهَذَا بَدْءُ ذَلِكَ وَأَوَّلُهُ، فَكَيْفَ الْهَرَبُ مِمَّا حُتِّمَ وَقُدِّرَ! ، أَمَا إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ بَشَّرَنِي فِي آخِرَ حَدِيثِهِ بِالْجَنَّةِ دُونَكُمْ، إِذَا شِئْتُمْ فَلا أَفْلَحَ مَنْ نَدِمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute