فَاتَّئِدْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبْصِرْ أَمْرَكَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ، فَإِنَّ حَالَتَكَ الأُولَى خَيْرٌ مِنْ حَالَتِكَ الأُخْرَى.
لَعَمْرِي إِنْ كُنْتَ لأَثِيرًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ كَانَ لَيُفْضِي إِلَيْكَ بِسِرِّهِ مَا يَطْوِيهِ عَنْ غَيْرِكَ، وَلا كَذَبْتَ وَلا أَنْتَ بِمَكْذُوبٍ، اخْسَ الشَّيْطَانَ عَنْكَ لا يَرْكَبُكَ، وَاغْلِبْ غَضَبَكَ وَلا يَغْلِبْكَ، فَمَا دَعَاكَ إِلَى هَذَا الأَمْرِ الَّذِي كَانَ مِنْكَ؟ قَالَ: دَعَانِي إِلَيْهِ ابْنُ عَمِّكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَعَسَى أَنْ يَكْذِبَ مُبَلِّغُكَ.
قَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ ثِقَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ مَنْ بَلَّغَ وَأَغْرَى.
قَالَ عُثْمَانُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، آللَّهَ إِنَّكَ مَا تَعْلَمُ مِنْ عَلِيٍّ مَا شَكَوْتُ مِنْهُ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لا إِلا أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ النَّاسُ، وَيَنْقِمُ كَمَا يَنْقِمُونَ، فَمَنْ أَغْرَاكَ بِهِ، وَأَوْلَعَكَ بِذِكْرِهِ دُونَهُمْ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّمَا آفَتِي مِنْ أَعْظَمِ الدَّاءِ الَّذِي يُنَصِّبُّ نَفْسَهُ لِرَأْسِ الأَمْرِ وَهُوَ عَلِيٌّ ابْنُ عَمِّكَ، وَهَذَا وَاللَّهِ كُلُّهُ مِنْ نَكَدِهِ، وَشُؤْمِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَهْلا اسْتَثْنِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَنْشُدُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ الإِسْلامَ وَالرَّحِمَ، فَقَدْ وَاللَّهِ غُلِبْتُ وَابْتُلِيتُ بِكُمْ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ كَانَ صَارَ إِلَيْكُمْ دُونِي، فَحَمَلْتُمُوهُ عِنِّي، وَكُنْتُ أَحَدَ أَعْوَانِكُمْ عَلَيْهِ إِذًا، وَاللَّهِ لَوَجَدْتُمُونِي لَكُمْ خَيْرًا مِمَّا وَجَدْتُكُمْ لِي، وَلَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الأَمْرَ لَكُمْ، وَلَكِنَّ قَوْمَكُمْ دَفَعُوكَمْ عَنْهُ وَاخْتَزَلُوهُ دُونَكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَدَفَعُوهُ عَنْكُمْ أَمْ دَفَعُوكُمْ عَنْهُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَهْلا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّا نَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالإِسْلامَ وَالرَّحِمَ، مِثْلَ مَا نَشَدْتَنَا، أَنْ تُطْمِعَ فِينَا وَفِيكَ عَدُوًّا، وَتُشَمِتَ بِنَا وَبِكَ حَسُودًا.
إِنَّ أَمْرَكَ إِلَيْكَ مَا كَانَ قَوْلا، فَإِذَا صَارَ فِعْلا فَلَيْسَ إِلَيْكَ وَلا فِي يَدَيْكَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَنُخَالِفَنَّ إِنْ خُولِفْنَا، وَلَنُنَازِعَنَّ إِنْ نُوزِعْنَا، وَمَا تَمَنِّيكَ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ صَارِ إِلَيْنَا دُونَكَ، إِلا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مِنَّا مَا يَقُولُهُ النَّاسُ، وَيَعِيبُ كَمَا عَابُوا! فَأَمَّا صَرْفُ قَوْمِنَا عَنَّا الأَمْرَ فَعَنْ حَسَدٍ قَدْ وَاللَّهِ عَرَفْتُهُ، وَبَغْيٍ قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُهُ، فَاللَّهَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا! وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّكَ لا تَدَرِي أَدَفَعُوهُ عَنَّا، أَمْ دَفَعُونَا عَنْهُ؟ فَلَعَمْرِي إِنَّكَ لَتَعْرِفُ أَنَّهُ لَوْ صَارَ إِلَيْنَا هَذَا الأَمْرُ مَا زِدْنَا بِهِ فَضْلا إِلَى فَضْلِنَا، وَلا قَدْرًا إِلَى قَدْرِنَا، وَإِنَّا لأَهْلُ الْفَضْلِ وَأَهْلُ الْقَدْرِ، وَمَا فَضَلَ فَاضِلٌ إِلا بِفَضْلِنَا، وَلا سَبَقَ سَابِقٌ إِلا بِسَيْفِنَا، وَلَوْلا هَدْيُنَا مَا اهْتَدَى أَحَدٌ، وَلا أَبْصَرُوا مِنَ عَمًى، وَلا قَصَدُوا مِنْ جَوْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute