للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلا تَذْكُرُوا مَا كَانَ مِنَّا وَمِنْكُمُ ... فَفِي ذِكْرِ مَا كَانَ مَشْيُ التَّسَاوُكِ

وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْفَضْلِ: «يَا فَضْلُ، انْصُرِ الأَنْصَارَ بِلِسَانِكَ وَيَدِكَ، فَإِنَّهُمْ مِنْكَ وَإِنَّكَ مِنْهُمْ» ، فَقَالَ الْفَضْلُ:

قُلْتَ يَا عَمْرُو مَقَالا فَاحِشًا ... إِنْ تَعُدْ يَا عَمْرُو وَاللَّهِ فَلَكْ

إِنَّمَا الأَنْصَارُ سَيْفٌ قَاطِعٌ ... مَنْ تُصِبْهُ ظُبَةُ السَّيْفِ هَلَكْ

وَسُيُوفٌ قَاطِعٌ مَضْرِبُهَا ... وَسِهَامُ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْحَلَكْ

نَصَرُوا الدِّينَ وَآوَوْا أَهْلَهُ ... مَنْزِلٌ رَحْبٌ وَرِزْقٌ مُشْتَرَكْ

وَإِذَا الْحَرْبُ تَلَظَّتْ نَارُهَا ... بَرَكُوا فِيهَا إِذَا الْمَوْتُ بَرَكْ

وَدَخَلَ الْفَضْلُ عَلَى عَلِيٍّ فَأَسْمَعَهُ شِعْرَهُ، فَفَرِحَ بِهِ وَقَالَ: وَرَيْتُ بِكَ زِنَادِي يَا فَضْلُ، أَنْتَ شَاعِرُ قُرَيْشٍ وَفَتَاهَا، فَأَظْهِرْ شِعْرَكَ، وَابْعَثْ بِهِ إِلَى الأَنْصَارِ.

فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الأَنْصَارَ، قَالَتْ: لا أَحَدَ يُجِيبُ إِلا حَسَّانٌ الْحُسَامُ.

فَبَعَثُوا إِلَى حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، فَعَرَضُوا عَلَيْهِ شِعْرَ الْفَضْلِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِجَوَابِهِ! إِنْ لَمْ أَتَحَرَّ قَوَافِيَهُ فَضَحَنِي، فَرُوَيْدًا حَتَّى أَقْفُوا أَثَرَهُ فِي الْقَوَافِي.

فَقَالَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ: اذْكُرْ عَلِيًّا وَيَكْفِكَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ:

جَزَى اللَّهُ عَنَّا وَالْجَزَاءُ بِكَفِّهِ ... أَبَا حَسَنٍ عَنَّا وَمَنْ كَأَبِي حَسَنْ

سَبَقْتَ قُرْيشًا بِالَّذِي أَنْتَ أَهْلُهُ ... فَصَدْرُكَ مَشْرُوحٌ وَقَلْبُكَ مُمْتَحَنْ

تَمَنَّتْ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَعِزَّةٌ ... مَكَانَكَ، هَيْهَاتَ الْهُزَالُ مِنَ السِّمَنْ

وَأَنْتَ مِنَ الإِسْلامِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ ... بِمَنْزِلَةِ الدَّلْوِ الْبَطِينِ مِنَ الرَّسَنْ

غَضِبْتَ لَنَا إِذْ قَامَ عَمْروٌ بِخُطْبَةٍ ... أَمَاتَ بِهَا التَّقْوَى وَأَحْيَا بِهَا الإِحَنْ

فَكُنْتَ الْمُرَجَّى مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... لِمَا كَانَ مِنْهُمْ وَالَّذِي كَانَ لَمْ يَكُنْ

حَفِظْتَ رَسُولَ اللَّهِ فِينَا وَعْهَدَهُ ... إِلَيْكَ وَمَنْ أَوْلَى بِهِ مِنْكَ مَنْ وَمَنْ

أَلَسْتَ أَخَاهُ فِي الْهُدَى وَوَصِيَّهُ ... وَأَعْلَمَ مِنْهُمْ بِالْكِتَابِ وَبِالسُّنَنْ

فَحَقُّكَ مَا دَامَتْ بِنَجْدٍ وَشِيجَةٌ ... عَظِيمٌ عَلَيْنَا ثُمَّ بَعْدُ عَلَى الْيَمَنْ

قَالَ الزُّبَيْرُ: وَبَعَثَتِ الأَنْصَارُ بِهَذَا الشِّعْرِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَالَ لِمَنْ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الأَنْصَارَ أَنْصَارًا، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ فِي الْكِتَابِ، فَلا خَيْرَ فِيكُمْ بَعْدَهُمْ، إِنَّهُ لا يَزَالُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ وَتَرَهُ الإِسْلامُ، وَدَفَعَهُ عَنِ الْحَقِّ، وَأَطْفَأَ شَرَفَهُ، وَفَضَّلَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، يَقُومُ مَقَامًا فَاحِشًا فَيَذْكُرُ الأَنْصَارَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَارْعَوْا حَقَّهَمْ، فَوَاللَّهِ لَوْ زَالُوا لَزُلْتُ مَعَهُمْ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهُمْ: «أَزُولُ مَعَكُمْ حَيْثُمَا زُلْتُمْ» ، فقَالَ: الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ، قُلْتَ قَوْلا صَادِقًا.

وَتَرَكَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ الْمَدِينَةَ وَخَرَجَ مِنْهَا حَتَّى رَضِيَ عَنْهُ عَلِيٌّ وَالْمُهَاجِرُونَ.

<<  <   >  >>