الثاني: أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم ينكر عَلَى موسى عَلَيْهِ السَّلام سؤال الرؤية، بينما نجد أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ينكر ولو عَلَى الأَنْبِيَاء إذا سألوه وطلبوه أمراً محالاً، لا نقول: إحالة كلية لأن المحال بالمرة لا يسأله الأنبياء، ولكن إذا سألوا أمراً يظنون أنه ممكن وهو مما لم يشأ الله عَزَّ وَجَلَّ أن يفعله، كما سأل نوح عَلَيْهِ السَّلام ربه نجاة ابنه فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود:٤٥] يستعطف ويسترحم ويسأل ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينجي ابنه، فرد الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليه بقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:٤٦] فسؤال الله عَزَّ وَجَلَّ أمراً قد قطع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأنه لا يتحقق هذا مما يفعله الجاهلون، ولهذا قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لنوح عَلَيْهِ السَّلام: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، فهو ليس من الجاهلين عَلَيْهِ السَّلام، ولكن الرحمة والشفقة الفطرية جعلته يدخل الابن في عموم من ينجو من الأهل فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَق ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر أن الابن خارج عن الوعد وليس داخل فيه، ووعظ نبيه نوحاً أن يسأله مثل ذلك، فلو كَانَ سؤال نبي الله تَعَالَى موسى الكليم من هذا القبيل لقال له أيضاً، لا تفعل ذلك ولا تسألني مثل هذا ولا تطلب مني شيئاً من هذا، وهذا لم يقع ولم يحصل في سؤال الكليم موسى عَلَيْهِ السَّلام.
الثالث: أنه تَعَالَى قَالَ: لَنْ تَرَانِي ولم يقل: إنني لا أُرى، أو إنني لا تجوز رؤيتي، أو إنني لست بمرئي، ففرق بين هذا وبين قوله: لَنْ تَرَانِي فهو مجرد نفي لوقوع الفعل، ليس نفياً لإمكان الوقوع مطلقاً.