للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ ضرب المُصنِّفُ مثالاً شاهداً لذلك: أنه من كَانَ في كمه حجر فَقَالَ له إنسان أطعمنيه، فالجواب الصحيح أن يقول: إنه لا يؤكل، وليس الصحيح أن يقول له: إنك لن تأكله، فالحجر لا يمكن أن يؤكل أصلاً، حتى يبين للطالب أو للسائل أن هذا محال نهائياً، لكن لو كَانَ في كمه طعاماً، وقال له إنسان: أعطني، فقَالَ: لن تأكل منه، فبهذا نعرف أنه طعام لكن لن يعطيه إياه، فمن الممكن أن يعطيه غداً، ويمكن أن يعطيه بعد غدٍ أو يمكن أن يعطى غيره، لأن هناك فرقاً بين نفي الفعل ونفي الإمكان بشكل مطلق وعام.

وهنا حكمة عظيمة وهي أن موسى عَلَيْهِ السَّلام في هذه الدار لا تستطيع قواه ومداركه أن ترى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك جَاءَ التعليق بالرؤية للجبل المخلوق العظيم القوي، الذي يراه الإِنسَان فيعجب من قوته ويعجب من صلابته، بالنسبة إِلَى هذا الضعف المشاهد في المخلوق المسكين الضعيف.

فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال: وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فعلق الرؤية بشيء ممكن وهو استقرار الجبل، وقوة الجبل أقوى من قوة موسى عَلَيْهِ السَّلام في التحمل، فلما علق الرؤية بذلك كَانَ دليلاً واضحاً عَلَى أن عدم إمكان رؤية موسى عَلَيْهِ السَّلام لربه جل وعلا، هو بسبب ضعفه في هذه الحياة الدنيا، فقواه تضعف عن احتمال رؤية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيقول المصنف: فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف فهو لا يثبت لتجلي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولا يتحمل ذلك، فإذا كَانَ الجبل أصبح دكاً فإن الإِنسَان البشر يسحق أعظم من ذلك بمجرد أن يتجلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليه وهذا هو الوجه الرابع.

<<  <   >  >>