للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ مثله في ذلك مثل أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ الآخرين، فقد قلبوا ما جَاءَ به الجهمية دليلاً للنفي عليهم وأثبتوا أنه دليل للإمكان وللإثبات، وأعظم ذلك قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لموسى عَلَيْهِ السَّلام: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف: ١٤٣] وهذه الآية أخذ المعتزلة منها لَنْ تَرَانِي فقط وَقَالُوا: إن رؤية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى محال فلا يمكن أن يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة لأن "لن" لفظة للتأبيد إِلَى الأبد، يعني: لو قلت في شيء "لن " فمعناه إِلَى الأبد ولا يمكن أن يقع، فإذاً لَنْ تَرَانِي جَاءَ فيها النفي بلن مؤبداً فلا يمكن أن تقع الرؤية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لا في الدنيا ولا في الآخرة وهذا إفكهم وتأويلهم.

فبين المصنف: أن الآية دليل عليهم، يعني: دليل عَلَى إثبات الرؤية من عدة وجوه، ذكر سبعة أوجه نأخذها واحداً واحداً، إن شاء الله.

الأول: أنكم إذا قلتم إن رؤية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى محال كما هو مذهبكم، فيُقَالُ: هل يظن بنبي الله وكليم الله وأعلم الخلق بالله في زمانه وهو موسى عَلَيْهِ السَّلام أن يسأل أمراً محالاً في حق الله عَزَّ وَجَلَّ. فسؤال موسى عَلَيْهِ السَّلام دليل عَلَى الإمكان، والأنبياء هم أعلم النَّاس وأعرفهم بصفات ربهم عَزَّ وَجَلَّ، أرسلهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ليعلموا النَّاس صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وما ينبغي له وما لا يجوز أن يطلق عليه وما لا يجوز أن يقال في حقه، فإذا جَاءَ النبي وسأل ربه ذلك، فهذا في ذاته دليل عَلَى أنه ليس بمحال، ومنكرو الرؤية لا يجعلونه ممكن، بل يجعلونه محال استحالة مطلقة، فكأنهم أعرف بالله عَزَّ وَجَلَّ وبما يليق به وما لا يليق من نبيه موسى عَلَيْهِ السَّلام!!.

<<  <   >  >>