للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمراد من هذا ليس معناه أن الله لم يبعث إِلَى الإنس والجن رسولاً؛ ولكن المقصود عامة الجن والإنس قبله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا الكلام حق، فالله لم يبعث أحداً إِلَى الإنس عامة والجن عامة إلا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومقصود مقاتل - رَحِمَهُ اللَّهُ - الذي انتقد عليه: أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لم يبعث رسولاً من الإنس إِلَى الإنس والجن معاً، وإن كَانَ قد بعث إِلَى قومه من الإنس، فيدعو قومه من الإنس، ويدعو معهم طائفة من الجن أو قوماً من الجن، وهذا مردود بقصة الجن الذين ذكرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الأحقاف: قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [الأحقاف:٣٠] فهذا دليل عَلَى أن أُولَئِكَ النفر من الجن كانوا عَلَى دين موسى عَلَيْهِ السَّلام، أو كانوا يسمعون عَلَى الأقل وكذلك كَانَ أجدادهم من قبل عَلَى دين موسى عَلَيْهِ السَّلام.

ثُمَّ جَاءَ بعده هذا النبي فَقَالُوا: إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى قد يقول قائل لماذا قالوا: من بعد موسى مع أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد بعث من بعد موسى أنبياء، كداود وسليمان وكذلك عيسى عَلَيْهِ السَّلام؟ الجواب -كما هو معلوم- أن شريعة داود وسليمان وعيسى عليهم السلام وكل أنبياء بني إسرائيل هي التوراة التي أنزلت عَلَى موسى، وأما الزبور والإنجيل فإنها مواعظ وحكم وعبر وفيها بعض تقييدات في أحكام الحلال والحرام، كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لسان عيسى بن مريم وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [آل عمران:٥٠] .

<<  <   >  >>