وأجابوا عن كونه فيه تنبيهٌ للمعترضِ على موضعِ النقضِ بأنَّ ذلك لا يمنعُ وجوبَ الاحترازِ؛ لأنَّ المناظرةَ المشروعةَ مبنيةٌ على العدل والإنصافِ، وقصدِ ظهورِ الحقِّ، لا على المشاغبةِ وقصدِ غلبةِ الخصم.
التنبيه الثالث: قد قدَّمنا أنَّ من أجوبةِ المستدلِّ عن النقضِ منعَه وجود الوصف الذي هو العلةُ في صورةِ النقضِ، فلو أراد المعترضُ إثباتَ وجوده بالدليلِ فقد اختلف أهلُ الأصولِ هل يُمَكَّنُ مِنْ ذلك؟ إلى أربعةِ مذاهب:
الأول -وبه قال الأكثرُ-: إنَّه ليس له ذلك؛ لأنَّ فيه نقل الكلام إلى مسألةٍ أخرى، وبذلك يصيرُ المعترضُ مستدلًّا، والمستدلُّ معترضًا، وكلُّ ذلك على خلافِ ما تقتضيه طريقةُ الجدل.
الثاني: أنَّ له ذلك؛ لأنَّه متممٌ للنقض.
الثالث -وبه قال الآمديُّ-: إن تعينَ ذلك طريقًا للمعترضِ في دفع كلام المستدلِّ وجبَ قبولُه، وإنْ أمكنَ القدحُ بطريقٍ أخرى هي أقربُ للمقصودِ فلا يقبلُ منه ذلك.
الرابع -وحكاه ابن الحاجب، واختاره بعضهم-: هو أنَّ العلةَ إنْ كانت حكمًا شرعيًّا لم يقبلْ منه ذَلك؛ لما فيه من الانتشار، وإنْ كانت حكمًا عرفيًّا أو عقليًّا فله ذلك؛ لقربِ المأخذ في العقلياتِ والعرفياتِ دون الشرعيات.