الثاني -وهو أقربها عندي-: أن قوله تعالى: {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} يعني: إذا تابوا عند حضور الموت.
ويدل لهذا الوجه أمران:
الأول: أنه تعالى بين في مواضع أخر أن الكافر الذي لا تقبل توبته هو الذي يصر على الكفر حتى يحضره الموت فيتوب في ذلك الوقت، كقوله تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}[النساء/ ١٨]، فجعل التائب عند حضور الموت والميت على كفره سواء، وقوله تعالى:{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} الآية [غافر/ ٨٥]، وقوله في فرعون: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)} [يونس/ ٩١].
فالإطلاق الذي في هذه الآية يقيَّد بقيدِ تأخير التوبة إلى حضور الموت؛ لوجوب حمل المطلق على المقيد، كما تقرر في الأصول.
والثاني: أنه تعالى أشار إلى ذلك بقوله: {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا}، فإنه يدل على عدم توبتهم في وقت نفعها.
ونقل ابن جرير هذا الوجه الثاني -الذي هو التقييد بحضور الموت- عن الحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي.
الثالث: أن معنى {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} أي: إيمانهم الأول؛ لبطلانه بالردة بعده.