للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثال الحقيقية قولك: (العنقاء طائر عجيب الشكل طويل العنق يصطاد الصبيان وصغار البقر)؛ لأن العنقاء طائر تتخيله العرب ولا وجود لفرد من أفراده فِي الخارج البتة، ولذلك كانوا يضربون المثل للمفقود الذي لا طمع في وجوده بحال بقولهم: (طارت به العنقاء).

ومن أمثلة [الحقيقية] (١) تعريف الصَّفَر بأنه (دابة في جوف الإنسان تعض على شراسيفه إذا جاع)، والشراسيف أصول الأضلاع؛ لأن الصفر شيء تتخيله العرب مع أنه لا وجود له في الخارج، ومنه قول أعشى باهلة (٢):

لا يتّأرى لما في القدر يرقبه ... ولا يعض على شرسوفه الصفرُ

قولهم (العنقاء طائر، والصفر دابة) لم يعتبر في صدق عنوانه على موضوعه الوجود الخارجي، بل اكتُفي بتقدير الوجود؛ لأن الطائر والدابة المذكورين لو فُرض وجودهما في الخارج لصدق عليهم الاسم، وقد أشرت في أرجوزتي في فن المنطق إلى الفرق بين الخارجية والحقيقة بقولي:

كل قضية على ما ذكروا ... في صدق عنوان لها يعتبرُ

وجود موضوع لها في الحالِ ... أو المضي أو الاستقبالِ

فخارجية على المعهودِ ... وحيث لا اعتبار بالوجودِ


(١) في المطبوع: (الحقيقة) والصواب ما أثبته.
(٢) ديوان الأعشين ص ٢٦٨، ملحق بديوان الأعشى الكبير (الصبح المستنير).
مطبعة آدلف هلز هوسن.