للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأوجس أهل الحي خيفةً على النبي -صلى الله عليه وسلم، وبت بليلة طويلة حتى إذا كان قرب السحر نمت, فهتف بي هاتف في منامي وهو يقول:

خطب أجل أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومقعد الآطام

قبض النبي محمد فعيوننا ... تذري الدموع عليه بالتسجام

فوثبت من نومي فزعًا، فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح, فعلمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قُبِضَ!! أو هو ميت، فقَدِمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلّوا للإحرام، فقلت: مه؟ فقيل: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

ومن عجيب ما اتفق ما روي: أنهم لما أرادوا غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: لا ندري، أنجَرِّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرِّد موتانا, أم نغسله وعليه ثيابه، فلمَّا اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلّا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت، لا يدرون من هو: اغسلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه، فقاموا وغسَّلوه عليه قميصه، يضعون الماء.


"قال: بلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عليل" مريض, "فأوجس" أضمر "أهل الحي خيفة" خوفًا "على النبي -صلى الله عليه وسلم، وبِتّ بليلة طويلة حتى إذا كان قرب السحر" آخر الليل "نمت، فهتف بي هاتف في منامي وهو يقول"
خطب أجل أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومقعد الآطام
قبض النبي محمد فعيوننا ... تذري الدموع عليه بالنسجام
خطب، أي: أمر شديد عظيم, والنِّسجام سيلان الدمع المنسجم القوي, وهو بفتح التاء ككل ما وزنه تفعال إلا التلقاء والتسباب, "فوثبت من نومي فزعًا، فنظرت إلى السماء فلم أر إلّا سعد الذابح" اسم نجم, فتفاءلت به ذبحًا يقع في العرب كما في الرواية, "فعلمت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قُبِضَ، أو هو ميت" أي: قريب الموت, "فقدمت المدينة ولأهلها ضجيج" بضاد معجمة وجيمين- صياح, "بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلّوا للإحرام، فقلت: مه" استفهام, والهاء للسكت، أي: ما هذا؟ "فقيل: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ومن عجيب ما اتفق ما روي: إنهم لما أرادوا غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: لا ندري" ما نفعل "أنجرِّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرِّد موتانا, أم نغسِّله وعليه ثيابه، فلمَّا اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلّا وذقنه" بفتح الذال والقاف- مجتمع لحييه, جمع القلة أذقان كسبان وأسباب، والكثرة ذقون؛ كأسد وأسود كما في المصباح, "في صدره، ثم كلّمهم مكلم من ناحية" جانب "البيت, لا يدرون من هو: اغسلوا النبي -صلى الله عليه وسلم وعليه- ثيابه، فقاموا" انتبهوا من النوم, "فغسَّلوه وعليه قميصه،

<<  <  ج: ص:  >  >>