"ويؤيد هذا قوله في الخبر نفسه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, لقد اتبعك في" أي مع "عصر عمرك" مدة النبوة ثلاث وعشرون سنة, آمن فيها أزيد من مائة وعشرين ألفًا, "ما لم يتبع نوحًا في كِبَر سنِّه وطول عمره", فلقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا وما آمن معه إلا قليل، قيل: ستة رجال ونساؤهم، وقيل: تسعة وسبعون؛ زوجته المسلمة وبنوه حام وسام ويافث ونساؤهم, واثنان وسبعون من غيرهم, نصفهم رجال ونصفهم نساء, ونوح, فجملة من كان في السفينة ثمانون. "وأرج ابن عساكر عن أبي ذؤيب الهذلي" الشاعر المشهور، اسمه: خويلد بن خالد، ويقال: خالد بن خويلد, كان فصيحًا كثير الغريب متمكنًا في الشعر، وعاش في الجاهلية دهرًا، وأدرك الإسلام فأسلم، وعامة شعره في إسلامه, وحضر سقيفة بني ساعدة, وسمع خطبة أبي بكر, ورثى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقصيدة منها: كسفت لمصرعه النجوم وبدرها ... وتزعزعت آطام بطن الأبطح ثم انصرف إلى باديته، فأقام حتى توفي في خلافة عثمان بطريق مكة، قاله ابن منده، وقال غيره: مات بطريق إفريقية وكان غزاها، ورافق ابن الزبير لما توجَّه مبشرًا بالفتح، فدفنه ابن الزبير بيده، وقيل: مات غازيًا بأرض الروم، وقيل: بإفريقية، وقيل: في طريق مصر. وعند ابن البرقي أن أبا ذؤيب جاء إلى عمر في خلافته، فقال: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، قال: قد فعلت, فأي العمل بعده أفضل؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: كان ذلك علي وأنا لا أرجو جنة ولا أخشى نارًا، فتوجَّه من فوره غازيًا هو وابنه وابن أخيه أبو عبيد حتى أدركه الموت في بلاد الروم والجيش سائرون، فقال لابنه: إنكما لا تتركان علي جميعًا فاقترعا، فصارت القرعة لأبي عبيد، فأقام عليه حتى واراه.