للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رضي الله عنه- أنه قال في كلام بكَّى به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -بتشديد الكاف من بَكَى، والصواب فيها التخفيف؛ لأن هذا الكلام إنما سمع من عمر بعد موته -صلى الله عليه وسلم- كما تقدم، ونبهت عليه في حاشية الشفاء", والله أعلم. ويؤيد هذا قوله في الخبر نفسه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, لقد اتبعك في عصر عمرك ما لم يتبع نوحًا في كبر سنة وطول عمره, فلقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل. وأخرج ابن عساكر عن أبي ذؤيب الهذلي قال: بلغنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عليل،


من بكى، والصواب فيها التخفيف؛ لأن هذا الكلام إنما سُمِعَ من عمر بعد موته -صلى الله عليه وسلم- كما تقدَّم، ونبَّهت عليه في حاشية الشفاء, وأجاب بعض شراحها بأن التشديد يصحّ بحذف المفعول، أي: بكَّى به الناس النبيُّ، أي: صيّرهم باكين عليه، أو بكى نفسه كذلك، وهذا خير من دعوى الخطأ "والله أعلم".
"ويؤيد هذا قوله في الخبر نفسه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, لقد اتبعك في" أي مع "عصر عمرك" مدة النبوة ثلاث وعشرون سنة, آمن فيها أزيد من مائة وعشرين ألفًا, "ما لم يتبع نوحًا في كِبَر سنِّه وطول عمره", فلقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا وما آمن معه إلا قليل، قيل: ستة رجال ونساؤهم، وقيل: تسعة وسبعون؛ زوجته المسلمة وبنوه حام وسام ويافث ونساؤهم, واثنان وسبعون من غيرهم, نصفهم رجال ونصفهم نساء, ونوح, فجملة من كان في السفينة ثمانون. "وأرج ابن عساكر عن أبي ذؤيب الهذلي" الشاعر المشهور، اسمه: خويلد بن خالد، ويقال: خالد بن خويلد, كان فصيحًا كثير الغريب متمكنًا في الشعر، وعاش في الجاهلية دهرًا، وأدرك الإسلام فأسلم، وعامة شعره في إسلامه, وحضر سقيفة بني ساعدة, وسمع خطبة أبي بكر, ورثى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقصيدة منها:
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها ... وتزعزعت آطام بطن الأبطح
ثم انصرف إلى باديته، فأقام حتى توفي في خلافة عثمان بطريق مكة، قاله ابن منده، وقال غيره: مات بطريق إفريقية وكان غزاها، ورافق ابن الزبير لما توجَّه مبشرًا بالفتح، فدفنه ابن الزبير بيده، وقيل: مات غازيًا بأرض الروم، وقيل: بإفريقية، وقيل: في طريق مصر.
وعند ابن البرقي أن أبا ذؤيب جاء إلى عمر في خلافته، فقال: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، قال: قد فعلت, فأي العمل بعده أفضل؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: كان ذلك علي وأنا لا أرجو جنة ولا أخشى نارًا، فتوجَّه من فوره غازيًا هو وابنه وابن أخيه أبو عبيد حتى أدركه الموت في بلاد الروم والجيش سائرون، فقال لابنه: إنكما لا تتركان علي جميعًا فاقترعا، فصارت القرعة لأبي عبيد، فأقام عليه حتى واراه.

<<  <  ج: ص:  >  >>